الرسالة البلغارية وصلت وحزب الله يعرف الباقي!

18 تموز 2012… تاريخٌ لم يكن يعني لحزب الله شيئًا، ولكنه بات منذ أيامٍ يعني له الكثير، ليس من باب اهتمامه بما حصل يومها بل من باب تلقّفه لتهمةٍ هبطت عليه من بلغاريا “لا عالبال ولا عالخاطر”… فعلاً لم يكن توقيت تلك التهمة مناسباً للحزب ولكنه مؤاتٍ حكمًا للمصطادين في مائه العكر… هكذا أرادتها بلغاريا في جريمة باصها “الإسرائيلي” الشهير… جريمةٌ قررت الدولة الأوروبيّة التماهي في مقاربتها مع مواقف زميلاتها في الإتحاد الأوروبي وبثّ المعلومات بشكل متواترٍ لا دفعةً واحدة تحت مظلة: الجناح العسكري لحزب الله.
يبدو أن العاميْن الفائتيْن والعام الجاري ليست أعوام حزب الله. فما إن همدت “نغمة” القرار الاتهامي حتى نبتت نغمة اتهام من نوع آخر تستهدف الحزب في صميمه. فما أبعاد توقيت هذا الاتهام؟ وكيف يمكن قراءة ردّ فعل السلطات اللبنانية برأسيْها الجمهوري والتنفيذي؟ وأيّ ضغوطٍ إضافية يلقيها ذاك الاتهام على كاهل الحزب؟

تجريدٌ وتعرية
لم تكن نتائج التحقيقات البلغارية مفاجئة بالنسبة الى الكثيرين، بقدر ما حمل عامل التوقيت عنصر المفاجأة في ذاته… “مزيد من الضغط” هو التحليل الأول الذي يرتقي به مناصرو الحزب وحلفاؤه. ضغطٌ وإن صحّ لا يقتصر على المجتمع الدولي، بل تتسع رقعته في الدرجة الأولى الى السلطات اللبنانية وتحديداً الحكومة التي خرجت بعض الدول لتنعتها قبيْل اختبارها بـ “حكومة حزب الله”، وهو ما تلقفه سليمان وميقاتي عبر تأكيدهما تعاون لبنان لإجلاء الملابسات. ولا تولد محاولة حشر حزب الله في الزاوية من العبث، بل لاعتقاد السلطات الغربية بأن الضغوط التي يعايشها جراء اهتزاز عرش حليفه السوري كفيلة بهدّ جدرانه أو أحدها على الأقل وتجريده من سلطته خصوصًا بعدما طفت على جبهة الأزمة السورية اتهاماتٌ صريحة للحزب بتدخّله عسكريًا لصالح النظام.

عناصر تجافيه
لا يصبّ تضافر الأحداث المحلية والإقليمية في صالح حزب الله… تضافرٌ ليس وليد الصدفة في تسلسله وطبيعة مكوّناته: إتهام أربعة من عناصره باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والحرص على نشر انتمائهم قبل أسمائهم من لايدسندام الى العالم. التشديد على انغماس الحزب أكثر فأكثر في الثورة السورية بما يتناقض مع سياسة النأي بالنفس التي تنتهجها الحكومة والتي يشكّل جزءاً منها. التلميح لوجود بعض عناصره في الأشرفية لحظة اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن. إقحام الحزب في حادثة عرسال وإصرار فريق 14 آذار على وجود بصماتٍ خاصة به في العملية قبل أن يحسم الجيش كلّ جدالٍ في هذا الصدد مانحاً إياه براءة الوجود والتدخّل. زجّ بعض الأسماء التابعة للحزب في صفقاتٍ مرتبطة بمصارف عالمية وبفضائح مالية كصلاح عز الدين. اتهام أحد عناصره بمحاولة اغتيال النائب بطرس حرب. وأخيراً “النغمة البلغارية” التي وجّهت أصابع الاتهام في عملية تموز 2012 الى “الجناح المسلّح في الحزب”.

بصمة “الإرهاب”
تركن مصادر أكثريّة في مقاربتها لموضوع الاتهام الى وضوح جملة عناصر وضوح الشمس، مشيرةً الى أن “من الغباء النظر الى الأمور على أنها اتهامٌ عاديٌّ مستندٌ الى حقيقة معطيات ودلائل. فماذا عن التوقيت مثلاً؟ بعد 6 أشهر ونيّف قرروا أن يخرجوا بهذه الفرضيّة؟ هذا من دون غضّ النظر عن التلميحات التي طفت على سطح الساحة البلغارية عقب وقوع الانفجار مباشرة والتي حملت في طياتها اتهامًا مباشراً واستباقيًا لحزب الله”. ولفتت المصادر الى أن “البصمة الإسرائيليّة جليّة في اتهام مماثل بما يشكّل نوعاً من الضغوط في كواليس المجتمع الدولي لتثبيت بصمة “الإرهاب” على حزب الله وإدراجه في مختلف اللوائح السود”، رغم أن الاتحاد الأوروبي تلقّف هذه الفرضيّة في إشارته الى أن إدراج الحزب على قائمة المنظمات الإرهابية ليس الخيار الوحيد ولكنه واحدٌ من الخيارات المطروحة أمامه”.

مستعدّ لأي تطويق
لا يخفي حزب الله نفسه تخوّفه من محاصرةٍ تبدأ في الداخل والجوار وتتسع الى النطاق الدولي بحيث يحكم أعداؤه الطوق عليه ويتّجهون الى اللعب على وتر نقاط ضعفه… تطويقٌ يبدو مستعداً له اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى، ليقينه بأن الضربة “التي لم تقتله لا بدّ أن تقوّيه” وبأنه ليس وحيداً في الداخل لا شعبياً ولا سياسيًا، تمامًا كما أنه ليس يتيماً إقليميًا: “فإيران لن تتخلى عنه بسهولة والأسد ما زال في ألف خير خلافاً لما يراهن عليه الكثيرون من سقوطٍ قريبٍ تحدّثوا عنه منذ أكثر من سنتيْن ولم يلقوا في المقابل سوى مزيدٍ من تسويف الأزمة”.

تماهٍ مع الدولة
اليوم، وإن كان الحزب يقزّم اتهامًا مماثلاً، فإنه يعتب في المقابل تمامًا كما حلفاؤه على المعارضة الداخلية التي سارعت الى تبنّي هذا الاتهام “من باب سياسي” بحثاً عن إلقاء مزيدٍ من الضغوط عليه. وتبدي مصادر الأكثرية “أسفها لمثل هذا التسليم عوض دعم فريقٍ يشكّل شريحةً كبيرة من المجتمع اللبناني، خلافاً لما فعلته المعارضة البلغارية نفسها عندما رفضت الخوض في اتهامٍ مماثل”، لا بل تذهب أبعد من ذلك في معرض حديثها عن مسارعة كبار المسؤولين الى إبداء حسن التعاون مع بلغاريا في هذا المجال”… حسن التعاون ذاك يشي الكثيرون بأنه موقفٌ منسّق مع الحزب نفسه على غرار ملفّ المحكمة الدولية، حرصًا على عدم إقحام لبنان في تضييق دولي هو في غنى عنه اليوم، ومتى حصل، فلن يُعفي حزب الله الذي يبحث هو الآخر عن تماهيه أكثر فأكثر في نسيج الدولة.

ورقة ضغط
في النتيجة، يعيد الاتهام البلغاري الى الذاكرة القريبة قرار المحكمة الاتهامي الذي تظهّر للجميع في وقتٍ لاحق أنه أتى مطابقاً لتسريبات الأيام الأولى التي أعقبت التفجير والتي وجّهت أصابع الاتهام عبر «دير شبيغل» الى حزب الله. هكذا حصل في بورغاس يوم خرج بنيامين نتانياهو متهماً حزب الله ومستبعداً أيً طرفٍ مقاوم آخر. تطابق يكتسب طرفه الأول أفضليّة من حيث الظروف.. فعامل الوقت ليس حليف الحزب وربما بلى. أياً يكن كلّ شيء مرهونٌ بالمشهدية السورية وبذراع النظام التي ما زالت تعبث في الأغراض الأوروبية والأميركية وهذا ما لا يروق لأحد… وهل أفضل من حزب الله كورقة ضغطٍ مزدوجة على داخله وعلى حليفه السوري؟ الحزب قرأ الرسالة البلغارية وفهم على ما يبدو… من يقف وراءها وكل الباقي!  

السابق
حزب الله وثنائياته المتعبة
التالي
الفجور في مشهدين