الجمهورية: لبنان في عين العاصفة وحزب الله أول الضحايا

يبدو أنّ سياسة "الإهمال" التي مارستها إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما على امتداد الأعوام الأربعة الماضية تجاه لبنان، قد شارفت على النهاية.

تدفّق السلاح إلى "حزب الله" لم يعد محصوراً بطريق تهريب واحدة
هناك من يقول في أوساط هذه الإدارة إنّ "سياسة تحييد" لبنان عن الأحداث الكبرى، قد تكون ساهمت في النأي به عن مطبّات كثيرة كان اللبنانيون يسعون بأنفسهم الى الانخراط فيها، سواء عن قصد أو صدفة، خصوصاً أنّ صفة الحكمة، قد لا تكون متوافرة لدى كثيرين من الطاقم السياسي الذي يدير البلاد، سواء في الحكم أو في المعارضة.

غير أنّ تسارع تداعيات الأزمات الإقليمية، وخصوصاً الأزمة السورية وتعقيدات الملف الإيراني، بات يهدّد الحفاظ على استقرار لبنان، مع إمعان الأطراف الداخلية في التحزّب لهذا الطرف أو ذاك، ما ينذر بشَرّ مستطير على مجمل أوضاعه السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

هذا ما يمكن استخلاصه على الأقلّ من المناخات السياسية التي أثارها التطوّر الاخير في ملفّ "حزب الله"، بعد اتّهامه رسميّاً بأنّه وراء تنفيذ الهجوم على باص السيّاح الإسرائيليّين في تموز الفائت في بلغاريا.

إذا وافق الاتحاد الأوروبي على إدراج الحزب على قائمة الإرهاب، فهذا يعني أنّ الاتهام سيطاول عمليّا لبنان كلّه. ومن دون الحاجة الى الإفاضة في هذا الجانب، مع بدء صدور تحليلات كثيرة حوله، فإنّ الخطير في الموضوع قد لا يكمن فقط في الجانب العسكري والتخوّف من عملية عسكرية إسرائيلية محتملة ضدّه. بل يكمن في الضغوط التي سيتعرّض لها لبنان وتحويله الى دولة محاصرة ومنبوذة، فيتساوى في ذلك مع الدول الخاضعة للعقوبات والحصار المفروض عليها من المجتمع الدولي، كإيران وسوريا وكوريا الشمالية.

ويكشف مسؤول أميركي أنّ سلوك "حزب الله" السياسي والميداني، جعله عرضةً أكثر من أيّ وقت مضى لانكشاف لا سابق له، خصوصاً أنّ المعلومات عن دوره، سواءٌ في الأزمة السورية، أو في العمليات الخارجية التي ينفّذها لحساب أطراف غير لبنانية، كان الإسرائيليون من بين أوّل من كشفها وأكّدها، وتحدّثوا عن مجموعات الحزب التي يرابط بعضها بالقرب من قواعد السلاح الكيماوي السوري، أو في مناطق حول دمشق وريفها وحمص وريفها وصولاً إلى تنفيذ الغارة الجوّية على قافلة السلاح.

ويضيف هذا المسؤول: "يبدو أنّ إسرائيل تسعى الى الفصل بين ملفّات سوريا وإيران و"حزب الله". ويبدو أنّ الحزب يسدي لها هذه الخدمة، عبر تسهيل تطويقه في سياق سياسة احتوائية تمهيداً لضربه". ليس بالضرورة الآن، إذ يستبعد المسؤول نفسه أن تكون إسرائيل تريد ذلك راهناً.

يشير بعض التقارير إلى أنّ تدفّق السلاح الى "حزب الله" لم يعد محصوراً بطريق تهريب واحدة. فإضافة الى الحدود اللبنانية ـ السورية، هناك طريق مطار بيروت، وكذلك المرفأ.

وتقول معلومات أميركية إنّ إيران، وبعدما بات يتعذّر عليها نقل السلاح عبر العراق الى سوريا نحو لبنان، يبدو أنّها بدأت تلجأ الى السفن التي تحمل العلم العراقي لتعبر بها من البصرة نحو الخليج الى البحر الأحمر وقناة السويس، وصولاً إلى مرفأ بيروت.

ومن نافل القول إنّ إسرائيل قد شرعت عمليّا ومنذ مدة، في الولوج الى الداخل السوري، مع تعاظم مخاوفها الجدّية من إمكان سقوط الرئيس بشّار الأسد في دمشق وانتشار السلاح ووقوعه في أيدي المتطرّفين. هناك معلومات تؤكّد أنّ الإسرائيليين يعملون داخل الاراضي السورية، من دون إغفال جوانب تنسيق يبدو أنّهم منخرطون بها مع عناصر من النظام، من بين وظائفها محاولة إطالة عمره إلى أبعد مدى ممكن، طالما لم يتمّ تأمين البديل عنه أو معرفة هويته.

ولعلّ أكثر ما يثير السخرية، التصريحات التي صدرت عن مسؤول استخباري إسرائيلي سابق، يقول فيها إنّ المشكلة ليست في تدفّق السلاح السوري نحو "حزب الله"! فوجهة هذا السلاح في هذه الحالة ستصبح داخلية لبنانية، في ظلّ التزام الحزب قواعد الاشتباك مع إسرائيل تبعاً للقرار 1701، في حين أنّ تدفّقه نحو أطراف سوريّة، يبدو أنّ الغالب بينها هو القوى المتطرّفة، يجعل المشكلة أعقد مع بلد بحجم سوريا!

يقول خبير اميركي في شؤون المنطقة إنّ "حزب الله" هو أوّل من سيدفع الثمن في اللحظة التي تتّفق فيها إيران مع القوى الدولية، والاتّفاق المقصود به مع طهران لا يشمل فقط ملفّها النووي، بل سائر الملفّات العالقة معها ومن بينها الملف السوري. فسير الأحداث الجارية هناك لا يوحي بأنّ النظام يستطيع الحفاظ على تماسكه فوق كلّ سوريا. ويبدو أنّ إيران باتت تأخذ في الحسبان أنّ رقعة الأسد قد تتقلّص في اتّجاه دويلة ما.

أين لبنان من هذه اللوحة الخطرة؟ يجيب الخبير نفسه: من المؤسف أنّ لبنان يتخبّط في الكثير من المشكلات التي لا يمكن لعاقل أن يفهمها. هناك كرة متدحرجة تأخذه من أزمة إلى أخرى، في ظلّ وضع اقتصاديّ مأسوي قد يتعمّق أكثر فأكثر، مع تطوّر ملف "حزب الله" في قضية التفجير في بلغاريا، فضلاً عن المشكلات الأمنية وما جرى أخيراً في البلدة الحدودية عرسال مع مقتل العسكريّين اللبنانيين في عملية تثير الكثير من الشبهات حول توقيتها.

لكنّ الأمر المقلق هو أنّ القوى السياسية اللبنانية غير مدركة لحجم الأخطار، وخصوصاً "حزب الله" الذي يصرّ على ممارسة سياسة تجميع الأوراق، لعلّه في ذلك يحصّن وضعه الداخلي عبر قمع الآخرين، منذ خروج الجيش السوري من لبنان إلى الحكومة الحالية.  

السابق
الاخبار: اقتراح المستقبل الانتخابي: سقى الله أيام شمعون
التالي
البناء: الجيش السوري يحقّق مفاجآت استراتيجية ضدّ الإرهابيين