الأدب العربي خارج الوطن العربي

لا يمكن التغاضي عن الحضور الكبير الذي يملكه الأدب العربي المكتوب باللغات الأجنبية في العالم، ولاسيما في أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية. فهذا الأدب الذي يزداد رواجاً وروسوخاً يظلّ ينتمي إلى خريطة الأدب العربي، وإن كتب بلغات بعيدة عن اللغة الأم، أي العربية. وما يجب الوقوف عنده في هذا السياق هو أنّ هذا الأدب بمعظمه ذو جذور عربية بل أنه متجذر في أديم الذاكرة العربية والوجدان العربي. ومعظم الموضوعات أو القضايا التي يتطرق إليها تعني القارىء العربي بمقدار ما تغني القارىء الغربي الذي تتوجه إليه عبر لغته.
وإذا حاولنا استعراض الموضوعات أو القضايا التي يزخر بها هذا الأدب لوجدنا أنها تتوزع في حقول ثقافية عربية، إمّا تراثية أو حداثية في معنى ارتباطها بالواقع العربي الراهن وما يشهد من أزمات وحروب وصراعات. فأمين معلوف الذي يكتب بالفرنسية، على سبيل المثل، يستعيد معالم كثيرة من تراثه اللبناني. والطاهر بن جلون الذي يكتب بالفرنسية أيضاً يتكىء بدوره على الذاكرة المغربية، أمّا رفيق شامي الذي يكتب بالألمانية فيعنى بشؤون المهاجرين العرب، في حين أنّ المصرية أهداف سويف التي تكتب باللإنكليزية لا تفارق الواقع المصري العربي.. ولئن اتهم بعض من هؤلاء الكتّاب العرب الذين اختاروا اللغات الأجنبية كوسائل تعبير، بالنزعة "الإكزوتيكية" أو الميل إلى تغريب ثقافتهم الشرقية وتضخيمها لجذب القارىء الغربي، فإنّ كثراً منهم استطاعوا أن يفرضوا تجاربهم وأعمالهم ككتّاب مبدعين، وبعضهم حاز جوائز كبيرة ومهمة لا علاقة لها بالحوار الشرقي-الغربي الذي يشكّل محوراً أساسياً في هذا الأدب. واللافت أنّ بعض الدول الأجنبية باتت تعتبر بعضاً من هؤلاء الكتّاب مواطنين ينتمون إلى ثقافتها وقد أدخلتهم في خانة أدبائها الأصليين.

نماذج روائية
يمكن التوقف عند نماذج من الأعمال الروائية العربية التي تمثل واقع هذا الإبداع العربي المنتشر في العالم.
الطاهر بن جلون في رواية "في بلدي"، وفيها يعالج القدر المأسوي للمهاجرين المغاربة الذين قدموا إلى فرنسا في الأربعينيات من القرن الماضي سعياً وراء لقمة العيش. والروائية الأردنية ليلى الحلبي التي أصدرت رواية عنوانها "ذات مرة في أرض الميعاد" وحازت جائزة أهل القلم العالمية.هذا الكاتبة غالباً ما تسعى إلى معالجة الأزمة الوجودية التي يعيشها العرب المهاجرون في الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 وما نجم عنها من تمييز عنصري من المجتمع الأميركي. حيث لا يزال الفرز اللوني قائماً وحيث يقع العرب في مكان ملتبس بين السمر الوافدين من أميركا اللاتينية والسود المتحدرين من أصول أفريقية.
وفي هذا السياق، نقف عند أعمال الروائي اللبناني-الكندي راوي الحاج، لاسيما روايته "الصرصار" وقد رشحت الرواية إلى جوائز عدّة وفازت بجائزة اتحاد كتّاب كيبك، وروايته السابقة "لعبة دينيرو" التي حازت جائزة إيمباك العالمية. في هذه الرواية (الصرصار) يرصد الحاج واقع المهاجرين في كندا وهم يعيشون على هامش المجتمع، في أسفل السلم الاجتماعي والاقتصادي، عاجزين عن تحقيق ذواتهم في المجتمع الجديد الذي هاجروا إليه، وعاجزين في الآن ذاته عن التملّص من ذاكرتهم المحمّلة بالخراب والألم والبؤس.

ظاهرة المنفى العراقي
أما الروائي اللبناني المقيم في الولايات المتحدة ربيع علم الدين فأصدر رواية غريبة في بنيتها وشخصياتها وقد سماها "الحكواتي". في هذه الرواية استخدم الكاتب أسلوب الكولاج والتركيب المشهدي وجعل المتوازيات القصصية غاية، ذاهباً إلى حدود الملحمة، مدركاً ذروة إذهال القارىء لا بالبراعة وحدها بل بنشوة من يلمس عبر الحكاية عصب الشرط الانساني حين يرصد عالمين مختلفين، واحد من ذاكرة الثقافات، وفي مقدمها الثقافة العربية الإسلامية، وما تدفق منها وإليها من الألياذة، وألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وغيرها، والآخر من الحاضر المعيش. يولّف الراوي بين هذين العالمين لتذهب شخصيات الرواية في اتجاهات غير متوقعة، يجتمع فيها المحال والواقع وكأن العالم متأرجح أبداً بين اليقظة والحلم.
أما الكاتبة الفلسطينية سوزان أبو الهوى فاصدرت رواية تستوحي فيها قرية عين هود وهي تعني بالعبرية عين المجد، قرية فلسطينية على سفح جبل الكرمل، كان الفلسطينيون يدعونها عين الحوض وهجروا منها عقب الاحتلال الاسرائيلي العام 1948. واختارت الكاتبة المقيمة في أميركا هذه القرية بالذات، لتجعلها مسرحاً لروايتها "ندبة دافيد أو ندبة داود" لأظهار إشكالية تنازع الهويات حول المكان والتاريخ.
وفي هذا المجال يمكن أن نتحدث عن شخصيات عربية عديدة من قماشة الكسندر نجار في روايته الفرنسية "برلين 36" التي تقتفي أثر العنصرية الأميركية والنازية الألمانية عبر اقتفاء أثر اللاعب الاميركي الأسود جيس أونز في الولايات المتحدة أولاً ثم في برلين. ومن قماشة الكاتب والشاعر المغربي محمد خير الدين الذي عاد إلى الواجهة الفرنسية عبر كتاب شعري هو عبارة عن أنطولوجيا شعرية عنوانها "شمس عنكبوتية".
وأخيرأ يمكن التوقف عند ما شهده أدب المهجر العربي الحديث المكتوب بالأجنبية، من ظاهرة يمكن تسميتها "ظاهرة المنفى العراقي". وتتلخص بقيام عدد كبير من العراقيين بكتابة الشعر بلغات أوطانهم البديلة، تلك الأوطان التي قبلتهم لاجئين من ثم مواطنين. فهناك اليوم من العراقيين من يكتب أشعاره بالهولندية والسويدية والإنكليزية والإسبانية والصربية وصولاً إلى اليابنية..
  

السابق
امرأة من قسنطينة
التالي
فياض: الأرثوذكسي تطييف ضد الطائفية