هل الحريري جدّي في تعديل الدستور؟

صُدم اللبنانيون بالاعتداء الذي تعرّض له الجيش في عرسال وسقط له فيه شهيدان هما الرائد بيار بشعلاني والمعاون ابرهيم زهرمان. وزادت من وجعهم «الثرثرة» الطائفية والمذهبية التي أعقبت الجريمة والتي وضعت الجيش، مدرسة الوطنية وحامي السيادة والسلم الأهلي، في خانة المُستهدف للطائفة التي ينتمي إليها أهالي عرسال، محوّلة عملية مطاردة إرهابي مطلوب للعدالة يدعى خالد حميد، نزاعاً طائفياً، ومستنهضة العصبية المذهبية للتغطية على الغريزية التي تجلّت في التمثيل بجثتي الشهيدين، وكأنهما لعدوين!
ولم تقف الثرثرة عند حدود الجريمة، والدفاع عن المطلوب واعتباره «شهيداً»، بل تعدتها إلى إيقاظ الفتنة السنية ـ الشيعية في المنطقة من طريق الإيحاء بأن حميد قُتل على أيدي مسلحين مدنيين تقدموا الوحدة العسكرية، وان ثمة تنسيقاً في «استهداف» عرسال بين «حزب الله» وقوى الجيش. وطالب المثرثرون وداعموهم بتحقيق «شفاف» في هذه القضية، متجاهلين فظاعة الجريمة وتداعياتها السياسية والوطنية. علماً أن الجيش الذي حُرم التغطية السياسية مرات عدة خلال الأشهر الماضية، كان هو المستهدف الأول في فوضى السلاح.
ثم جاءت الضجة التي أثارها النائب بطرس حرب، بعد طلب النائب العام التمييزي حاتم ماضي رفع الحصانة عنه لتعرضه للقضاء ولمقام رئاسة الجمهورية.
وبدا أن الطلب قد أفقد النائب حرب اتزانه، فانبرى مهاجماً القاضي ماضي ومتوعّداً له بـ«القصاص» ليكون «عبرة» لجميع القضاة!
ورغم هذه الصورة السوداوية، لم يفقد اللبنانيون الأمل في الخلاص، وقد مروا سابقاً بظروف أصعب. بل هم اعتقدوا أن الخروج على اتفاق الطائف قد وضع البلاد عند منزلق، وانه لا بد من بلوغ نهاية الهاوية تمهيداً للبدء من الصعود منها.
والخطوة الأولى في هذا الاتجاه يجب أن تبدأ من الحوار، الذي يؤدي إلى المصالحة. على أن يضم الحوار الأطراف الأساسيين، القابلين بالحوار والمصالحة، والرافضين لهما. وأن يدركا أن لا مهرب منهما إذا أرادا للبنان أن يخلص.
وهذا يعني في الدرجة الأولى المبادرة التي طرحها الرئيس سعد الحريري منتصف الأسبوع الماضي للخروج من المأزق السياسي الذي تواجهه البلاد، لتعذر الاتفاق بين الكتل النيابية والمرجعيات السياسية على قانون جديد للانتخاب يحقق العدالة والمساواة والتمثيل الصحيح لجميع الجماعات. وهذا المأزق قد وضع «تيار المستقبل» الذي يتزعمه الحريري في وضع صعب حيال حلفائه من المسيحيين.
وقد تساءل الذين استبشروا خيراً بالمبادرة، على أساس أنها ربما أتت نتيجة مراجعة الفريق الحريري لجدول توقعاته بالنسبة الى موعد «سقوط» النظام السوري، وان انتظار سنتين دون جدوى في لبنان الذي ضُرب اقتصاده وتعرض لنوع من المقاطعة العربية التي أضرت بالشعب اللبناني دون تمييز بين معارض فيه وموال ـ أن انتظار سنتين أكثر من كافٍ.
إن هذا المشهد وحده كاف لإعادة فتح باب الحوار، انطلاقاً من مبادرة الحريري، رغم الملاحظات التي أبديت في شأنها وخصوصاً لجهة إحداث مجلسين طائفيين هما مجلس النواب الذي يقترح الحريري أن يُنتخب على أساس أكثري ودوائر صغيرة خلافاً لاتفاق الطائف، ثم مجلس الشيوخ الذي يقترح إحداثه في معزل عن إجراء انتخابات نيابية خارج القيد الطائفي على ما تنص وثيقة الوفاق الوطني. وطرح موضوع تعديل الدستور من أجل تعليق تنفيذ المادة المتعلقة بإنشاء الهيئة الوطنية «لدرس واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية السياسية، وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية».
وسيكون المسيحيون، الذين يشكون الغبن والتهميش منذ الطائف بسبب قوانين الانتخاب المتعاقبة، وينصبّ الجهد حالياً لإنصافهم، سيكونون أكثر المستفيدين من فتح باب تعديل الدستور، وهو الباب الذي أقفل في وجههم لأكثر من عقدين، آملين في إجراء بعض التعديلات في المواد التي يعتبرونها ظالمة لهم مثل «الثغر» في صلاحيات رئيس الجمهورية، إضافة إلى تسهيل حل الرئيس مجلس النواب في الحالات التي تتعرض فيها البلاد لأخطار وأزمات سياسية.
وثمة من يرى في التعجيل في إلغاء الطائفية السياسية حلاً ناجعاً لكل مشاكل لبنان، ومُنجياً من أخطار مماثلة لما جرى في عرسال. إذ ان الحاجة ملحة اليوم إلى تأكيد الهوية الوطنية التي تُعتبر «ذخيرة للدولة»، إضافة إلى إعادة الروح إلى الطائف.
ولكن هل الحريري جدي في تعديل الدستور؟

السابق
ماذا بعد الاتهام البلغاري للحزب؟
التالي
عصابات الفدية والخطف تستهدف صور