هامات أعلى من المذاهب

عند الرئيس نجيب ميقاتي وجهة نظر، لا يريد أن يشعر أيّ طرف بأنه مُستهدف، هذا بعض ما جاء في تصريحه في وزارة الدفاع. بكلام أكثر وضوحاً لا يريد أن تشعر الطائفة السنيّة بأنها مستهدفة، أو بلدة عرسال، او الفريق المتشدّد الذي شارك بعضه في الهجوم على الجيش.

غيرة تبدو في غير محلّها، لأنه المسؤول، والمُمسِك بمقاليد السلطة، والمؤتمَن على الأمن والاستقرار، وعلى حرمة الدولة ومؤسساتها، وفي طليعتها مؤسسة الجيش، وعلى القوانين المرعيّة الإجراء. وهو الأعلم، ومن مَوقع المنصب الذي يحتلّه، بأنّ الجيش مع كلّ لبنان، وكل الطوائف، وعندما يلاحق مرتكبين، فإنه لا يستهدف طائفة، ولا يجوز للطائفة أن تحمي هؤلاء، بقدر ما يفترض رَفع الغطاء عنهم، وسَوقهم الى العدالة إذا كانت حريصة فعلاً على الانتظام العام.

لكنّ مشكلة المسؤول أنه بَدل من أن يقود الشارع، فإنّ الأخير يقوده، ويرى نفسه مضطراً للمزايدة مذهبيّاً إمّا لحسابات انتخابيّة، أو تعويضاً عن نقص، وفي الحالين تنهَش المزايدة من رصيده وهَيبته في إدارة السلطة، ولا منزلة بين الخيارين، فإمّا أن يكون حريصاً على تطبيق القوانين المرعيّة الإجراء من موقع وطني مترفّع، او هو الحريص على الجَمع ما بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، ولَو كان ذلك عن طريق التحايُل على تطبيق القوانين. ويبدو أن الرئيس ميقاتي يدعم مطالب المؤسسة العسكريّة، شرط ألّا يخسر في صفوف أهل السنّة، وألّا يَنبري أحدهم ليزايد عليه طائفيّاً ومذهبيّاً.

هكذا هي حال الدولة اليوم، او هكذا تُدار من غالبية رجالاتها. المهم رِضى الطائفة والمذهب أوّلاً، وبعد ذلك نفكّر بمصلحة الوطن وعموم المواطنين. ومؤسف حقاً أن تتقدّم الطائفة او المذهب على الوطن، او أن يكون الولاء للطائفة او للمذهب أوّلاً، قبل الولاء للوطن، والإمعان في الخَلط ما بين الشأن العام والخاص، والسّعِي الى ترتيب الأولويات وعلى قاعدة الوَصل ما بين المصالح العامة والخاصة، بدلاً من الفصل بينهما، وهذا ما يجعل المسؤول دائماً في الموقع المُلتبِس، بدلاً من أن يكون في موقع الوضوح والشفافيّة.

لا يريد الرئيس ميقاتي أن يشعر أيّ طرف بأنه مستهدف في الظرف الراهن، والغالبية معه وتؤيّده. ولكن، ألم يتأكد بعد من أن الجيش كان عرضة لكمين مسلّح؟ وهل يقبل بأن تكون هذه المؤسسة هي المُستهدفة؟ وهذه الدولة، وما بقي لها من حرمة وهيبة ووَهرة، هي المُستباحَة؟

وهل يعتقد بأنّ المَسّ بالجاني يعني مَسّاً بالطائفة عن بكرة أبيها؟ لا يمكن للمسؤول أن يفكّر طائفيّاً بل وطنيّاً، وعندما يصبح أسير مربّعه المذهبي، يخسر الوطن. والقادة القادة هم الذين عملوا لأوطانهم لا لطوائفهم، لأنّ طوائفهم تكون بخير عندما تكون أوطانهم بخير.

مشكلة الرئيس ميقاتي هي مشكلة الوطن، ومشكلة الدولة في ظلّ السلاح اللاشَرعي. هذا السلاح هو داخل المخيمات الفلسطينيّة وخارجها بحجّة الحماية من أيّ اعتداء إسرائيلي، وهي حجّة واهية لا محلّ لها من الإعراب لا على المستوى النضالي ولا على المستوى العملي.

سلاح غايَتُه تحويل المخيمات الى كانتونات فوق الأراضي اللبنانيّة تتمتع باستقلال ذاتيّ. والسلاح اللاشَرعي هو عند "حزب الله" تحت شعار المقاومة، وتحقيق توازن الرعب مع إسرائيل، مع الاعتراف بأنه مرفوض من غالبيّة اللبنانيين بعدما استثمَره الحزب أفضل استثمار. والدليل أنّ المناطق التي يتواجد فيها قد حَوّلها الى مناطق، وبؤر، ومربّعات، وكانتونات يتحكّم بها، ويمارس سلطته وسطوته ونفوذه عليها بحجّة مقتضيات المقاومة.

والسلاح اللاشَرعي ظهر بقوّة وكثافة عند أهل السنّة، لا بل عند المتشددين والمتطرفين، وحجّتهم واضحة، كما "حزب الله" نحن أيضا، وكما تراني أراك يا جميل، وإذا كان للحزب كانتونه، فلماذا لا يكون لأهل السنة إمارتهم في ظلّ بيئة حاضنة تتمَدّد من طرابلس الى عكار، وصولاً الى عرسال؟!

إنّ الرصاص الذي انطلقَ من عرسال الى صدر الجيش، إنما انطلقَ على خلفيّة هذه الحسابات والاعتبارات، والرئيس ميقاتي يعرف ذلك، ويعرف أيضا أنّ المستهدف هو الجيش، والوطن، والدولة التي يتولّى شَرف رئاسة مجلس وزرائها.

ويعرف ميقاتي أنّ الاعتدال أصبح ضحيّة التطرّف، وبَدلاً من أن يجذبه، أصبح منقاداً وراءه حرصاً على زعامة او نيابة او وَجاهة. وهذا ما يؤكّد أنّ الأزمة في لبنان إنما هي أزمة رجال، يُفترَض بهاماتهم أن تكون أعلى من المذاهب كلها، لأنّ الوطن فوق الجميع. وهو حاضِن الجميع، وعندما يَسقط، يسقط الجميع.

السابق
نحاس: اضراب هيئة التنسيق غير قانوني
التالي
الجميل ـ الحريري: حلفاء… ولكن