معضلة بشار وصية والده

لا ندري ما إذا كان الرئيس حافظ الأسد أوصى أبنه الدكتور بشَّار في مرحلة التأهيل وذلك بعدما شعر الوالد أن نهايته اقتربت وسينتقل إلى دنيا الآخرة بعدما اشتدت وطأة المرض عليه واللوعة على فقدان إبنه البكر باسل، بأن يواصل إدارة البلاد من حيث إنتهى الوالد، أو إنه قال له ما معناه إن لكل زمن ظروفه وأن عليه إعادة النظر في أمور كثيرة بدءاً بالعلاقة مع الصديق – الحليف الإيراني والصديق – الحليف الآخر روسيا، فما كان حاصلاً في زمن مضى لا يجوز إستمراره في زمن جديد. في الماضي كان التحالف مع إيران نوعاً من المكايدة من جانب سوريا حافظ الأسد البعثي ضد عراق صدَّام حسين البعثي. كل منهما يطمع بالآخر وتحت مظلة «البعث» فالعراق ممتلكاً سوريا يصبح أقوى دولة إقليمية، خصوصاً إنه بهذا التملك وفي اطار عملية وحدوية قسرية يتحقق للعراق ما هو محروم منه، أي البحر والذي بفقدانه هذا البحر يبقى عملياً أسير حصار خصوصاً ان حصته من مياه الخليج عبارة عن مجرد شط مهدَّد سابقاً ولاحقاً من إيران. وسوريا ممتلكة العراق الثروة والنهرين والجوار الخليجي والعتبات المقدسة تحقق للرئيس حافظ الأسد أول رئيس لسوريا من أبناء الطائفة العلوية حُلْم ان يكون الملك المتوَّج للشيعة السياسية في المنطقة. وعندما يضيف إلى امتلاك العراق قبضته على لبنان وإبقاء الأردن بعشائره وفلسطينييه تحت خط الخشية منه، تصبح الدولة الأسدية غير بعثية لأن البعث مجرد خيمة يمكن في هذه الحال فك أوتادها ورفْع ما هو أهم في سماء المنطقة. وبقيام الدولة الأسدية استنساخاً للدولة الأموية والدولة العباسية تنتقل «الخلافة» من الأب حافظ إلى الإبن بشَّار إلى الحفيد حافظ ابن بشَّار تماماً مثل الذي حصل مع معاوية ومَن هم بعده.
وفق هذا الحلم البعيد المنال تحقيق مضمونه من دون التحالف مع ايران، وضع الرئيس حافظ الأسد الخطوط العريضة لإستراتيجيته. ونراه هنا يتخذ أكثر الخطوات تناقضاً وبالذات وقوفه خلال الحرب العراقية – الإيرانية إلى جانب ايران الخميني ضد العراق الصدَّامي ومن دون أن تستوقفه مسألة العقيدة البعثية المشتركة بينه وبين صدَّام. كما انه رداً على الغزوة الصدَّامية للكويت أرسل إلى الكويت قوات شاركت القوات الأميركية والبريطانية والخليجية في تحرير الكويت من احتلال القوات العراقية لها.
وتدليلاً على ما يتطلع إليه من وراء التحالف مع ايران الخمينية سجَّل إلى جانب المواقف العملية مواقف كلامية من بينها «إن الثورة الإسلامية نقطة بارزة ونحن نعتبر إنتصار الثورة الإيرانية بما ترفعه من شعارات إنتصاراً لنا نحن العرب» و«لا تعارُض بين القومية العربية والاسلام ولا تناقض بين القومية العربية والوطنية الإيرانية» و«لا يريد الإيرانيون ان يحاربوا العرب حربهم مع النظام العراقي فرضَها عليهم النظام العراقي. وهم في لبنان يحاربون القوات العراقية التي أرسلها هذا النظام داخل أرض لبنان» و«لقد وفَّر قيام الثورة الإسلامية في إيران، القاعدة وهيأ السبل لتوطيد العلاقات بين الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية بما أعلنتْه الثورة من أهداف نوافق عليها لأنها مستمدة من رسالة الإسلام ومبادئه السامية ودعوته إلى نشر العدل ومقاومة الشر بكل أشكاله ومكافحة الظلم والطغيان والعدوان…».
تلك هي بعض آراء الرئيس حافظ الأسد في العلاقة مع ايران. وليس من السهل التكهن بما إذا كان الرئيس بشَّار يرى في هذه الآراء ما يشبه الوصية من والده أو أن الذي حصل هو أن إرث الوالد تضمَّن أموراً من بينها ان العلاقة السورية -الإيرانية ذات طبيعة من الصعب على الرئيس بشَّار فك تعقيداتها مع ملاحظة أن هذه العلاقة التي أرادها الأسد الأب ورقة تحقق له مجد قيام «الدولة الأسدية» يتوارثها الأبناء بعده ثم الأحفاد ويشاركهم المكانة العالية أبناء وأحفاد الأعمام والأخوال، هي التي وضعت الرئيس بشَّار في أكثر الحالات تعقيداً. فهو إذا إستمر لا يعيد النظر في طبيعة العلاقة مع ايران على نحو ما رسم والده معالمها سيبقى مستهدَفاً من المجتمع الدولي ومن الانتفاضة المستمرة داخل سوريا وبتشجيع أطراف إقليمية وهي إنتفاضة رفعت منذ اللحظة الأولى شعار العداوة لإيران ولروسيا الحليف – الصديق للنظام الأسدي إبناً بعد أب. وهو إذا إرتأى فجأة الإنقلاب على الحليفين بأمل ان تنجو السفينة الأسدية من الغرق ويبقى رئيساً مقبولاً أو شريكاً محفوظ السلامة سيكون مستهدفاً من الصديقين – الحليفين معاً إيران وروسيا. وهما قادران على الإنتقام.
وتلك هي معضلة الرئيس بشَّار الذي بالغ في التردد وإعتبر وصية الوالد، مكتوبة كانت أو شفهية أو من خلال أقوال كتلك التي أوردناها، بأنها أمر لا يجوز مسه مع أن هنالك في دنيا الحكام الإبن الذي خلع والده والأخ الذي انقض على أخيه. والتاريخ يشهد على ذلك.

السابق
حديث الحرب؟
التالي
اللواء: اجتماع للقوى الاسلامية بعين الحلوة قرر لمنع استغلال المخيمات