حزب الله معني بالرسالة

لم يعد خافياً ان "حزب الله" قارب الغارة الاسرائيلية الأخيرة على اهداف في الاراضي السورية على أساس انه احد ثلاثي مستهدف مباشرة بهذه الغارة اضافة طبعاً الى سوريا نفسها وايران.
دوائر التحليل في الحزب لم يفاجئها اطلاقاً اقدام تل ابيب على ارتكاب هذا العدوان، فمنذ زمن بعيد كان ثمة نقاش حقيقي داخل الدوائر عينها حول احتمالات السلوك الاسرائيلي حيال الأوضاع في سوريا، فكان الاستنتاج أن اسرائيل لا يمكن ان تظل بمنأى عن هذه الاوضاع، كما فعلت حيال التحولات والتطورات التي جرت في دول عربية اخرى، اذ ان سوريا هي احدى حلقات مثلث الممانعة والمقاومة الذي تعتبره اسرائيل خطراً مباشراً عليها.
وتدرك القيادة الاسرائيلية تماماً ان خروج النظام السوري من المواجهات الدائرة منذ قرابة عامين مع المعارضين المسلحين أمر وسقوطه او إنهاءه امر آخر له حسابات مختلفة خصوصاً ان الجيش السوري هو آخر جيش عربي محترف يمتلك امكانات واسعة ويحمل عقيدة مواجهة حقيقية لاسرائيل.
وعليه فان الدوائر عينها عكفت على النظر الى هذه الغارة على انها تنطوي على أبعاد عدة منها ما له علاقة بمسار الأزمة في سوريا، ومنها ما له صلة بالكلام المتعاظم عن امكان انضاج تسوية للأزمة السورية بات الطرفان الروسي والأميركي شريكين فيها كلٌّ من منطلق حساباته الخاصة، ومنها، وهذا الاهم، ما له علاقة بقواعد الاشتباك وقواعد اللعبة بين اسرائيل نفسها و"حزب الله". وقد ارادت اسرائيل بطبيعة الحال التغطية على اهداف ومقاصد ورسائل معينة، عندما بادرت الى الزعم بأن الهدف المقصود من الغارة قافلة صواريخ سورية (سام 17) متجهة الى ترسانة "حزب الله" في لبنان، علماً ان الامر من اساسه مستبعد كون المنطقة المستهدفة بالغارة ليست منطقة عبور اسلحة ولا يمكن لأسباب جغرافية وأمنية ولوجستية أن تكون كذلك في اي يوم من الايام، فكيف في ظل الاوضاع العسكرية المضطربة التي تسود محيط دمشق وريفها منذ اشهر.
وفي كل الأحوال، بات الحزب يعتبر أنه بعد مضي عامين على صمود النظام السوري وهو ما راهن عليه اساساً حتى في اصعب الاوقات، فان اسرائيل توجّه رسالة واحدة إلى الأطراف الثلاثة المعنية مباشرة بهذه الأزمة. وعلى هذا الأساس، وسواء كانت الضربة الاسرائيلية هي عند هذه الحدود او انها بداية لما يمكن أن يليها من اعمال وممارسات من هذا النوع، فالثابت ان الحزب يرى أن اسرائيل بدأت بتغيير قواعد اللعبة، وهو أمر يطرح على بساط البحث جدياً مسألة استمرار الحزب في التزام مقتضيات القرار 1701 الذي صدر غداة حرب تموز عام 2006، وهو الالتزام الذي ادهش العالم كله، ودليله العملي واضح في منطقة جنوب الليطاني حيث منطقة عمليات القوة الدولية.
صحيح ان الغارة الاسرائيلية كانت بعيدة عن الاراضي اللبنانية، ولم تطاول أي هدف له علاقة مباشرة بمنظومة القوى لدى الحزب، لكن الحزب يعي في المقابل ان الغارة هي بشكل أو بآخر تحرش واضح بالتحالف الذي يشكل هو أحد أعمدته، وأحد قواه الضاربة، وبمرتكزات قوة هذا الحلف، خصوصاً بعد تصاعد كلام له معنى وقيمة وفحواه ان المستهدف مركز علمي لتطوير سلاح الصواريخ الذي هو إحدى نقاط التوازن والردع مع القوة العسكرية الصهيونية بالنسبة الى الحزب.
ربما ان ثمة من يجد في الكلام الاخير لوزير الدفاع السوري العماد فهد جاسم الفريج، والذي قال فيه ان الغارة هي رد اسرائيلي على سوريا التي صمد نظامها وتماسك جيشها وواجه وامتص كل هجمات المعارضين، تبريراً لعدم الرد المباشر على الغارة، وتحجيم أهدافها والتقليل من أهميتها وابعادها، لكن هذا التحليل قد لا يعني العقل الاستراتيجي لدى الحزب الذي بات ينطلق من مبدأ انه معني مباشرة بالغارة، وانه استطراداً عليه أن يكون جزءاً وحلقة من حلقات الرد في مكان وزمان بمقدور الحزب ان يحددهما وهو الذي أدمن لعبة الردود الموجعة لاسرائيل على أكثر من مستوى وفي أكثر من مكان.
وبالطبع ثمة في الاوساط المواكبة لنهج الحزب في مثل هذه الحالات نقاشات حول مسألة هل الضربة الاسرائيلية هي من النوع الذي يمكن ارجاء الرد المباشر عليه؟ أم انه يستلزم رداً نوعياً عاجلاً لافهام الكيان الصهيوني بأن الكلام الذي روجه غداة الغارة وفحواه بأنه يراهن على ان دمشق في حالة ضعف ووهن وان "حزب الله" في حالة ارباك مما لا يسمح لهما في هذه المرحلة بالذات بأن يبادرا الى اجتراح رد، هو كلام لا معنى ولا قيمة له خصوصاً في هذه المرحلة المصيرية التي يعتبر فيها الحزب وايران ان الحرب الكونية على سوريا ونظامها وجيشها إنما المراد منها أولاً وأخيراً ضرب واسطة عقد المواجهة والممانعة لاسرائيل.
لذا فبقدر ما أتت الغارة الاسرائيلية لتؤكد صحة ما ذهب اليه الحزب مراراً في معرض تحذيره من مآل الاوضاع في سوريا إذا ما راحت في اتجاح الجرح المفتوح النازف، فإنها تضع الحزب قبل سواه امام تحدي الرد، وبشكل عاجل. وهكذا وعندما يحضر فجأة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني سعيد جليلي الى دمشق بعد ساعات من الغارة، ويطلق من هناك كلاماً فحواه ان اسرائيل ستندم على ما اقترفته، فإن ذلك يعني ان الرد على الحدث صار أمراً وارداً في الحسبان.
ومما يزيد في رسوخ هذا الاقتناع ان الرد على الغارة الاسرائيلية هو جزء من منظومة دعم النظام السوري الذي حافظ الى حد بعيد على تماسكه وصموده مما أهّله للدخول في مرحلة أخرى غير مرحلة الرهان على تداعيه وانهياره.
إذاً لمسألة الرد معانٍ واهداف وضرورات متعددة منها ضرورة الحفاظ على المعنويات، وفي كل هذا الخضم يبدو جلياً أن "حزب الله" معني.

السابق
النهار: الموقف اللبناني يجب أن يؤكّد عدم ارتباطه بأعمال التفجير
التالي
شهيب: المشكلة في التحالفات