الجميل ـ الحريري: حلفاء… ولكن

تسبّب اقتراح اللقاء الأرثوذكسي بأزمة في قوى 14 آذار بلا انفصال. لا أحد يتخلى عن الآخر، ولا خيار له أو مكان سواه. ابتلعا التناقض، ودار التباعد على قانون الانتخاب على نفسه. تيّار المستقبل يريد حلفاءه المسيحيين على صورته، وهم يريدون ذواتهم على صورة أوزانهم

انتهت خلاصة الاجتماع الذي عقده الرئيسان أمين الجميّل وسعد الحريري في باريس، في 29 كانون الثاني، إلى تفاهم على استمرار التحالف بين حزب الكتائب وتيّار المستقبل، وتباين موقفيهما من قانون الانتخاب. عشية كشفه عن مبادرته لقانون الانتخاب في 31 كانون الثاني، قبل أن يحيلها نواب تيّاره الإثنين اقتراح قانون، قال الحريري مجدّداً ما لا يريد سواه: دوائر انتخابية مصغّرة كما يتصورها، لا تلك التي يتوقع أن يتوافق عليها مع حلفائه المسيحيين.
في خضم جدل دائر حوله، في الأيام الأخيرة، لم يكن اقتراحه الدوائر الـ 36 كافياً كي يتوافر حوله توافق أخفق مع سواه. هكذا انضم اقتراح الحريري إلى أخرى مماثلة، من دون أن يساهم في إخراج الخلاف على قانون الانتخاب من مأزقه. أعاد تأكيد المواقف نفسها والفيتوات المتبادلة إياها.
فور وصوله إلى العاصمة الفرنسية، تلقى الجميل مكالمة من الحريري أبدى له رغبته في الاجتماع به. في سلسلة مواقف تبادلاها، كشف لقاؤهما عن معطيات أبرزها:
1 ـــ اكتشف الحريري أن ابتعاده عن لبنان ضاعف في الغموض والإلتباس حيال علاقته بحلفائه في قوى 14 آذار. لمس أن موافقة حزبي الكتائب والقوات اللبنانية على اقتراح اللقاء الأرثوذكسي ولّدت لديه شكوكاً في متانة تحالفه معهما. مع ذلك لم يرَ في دعم الجميّل الإقتراح إشعاراً بانفصال استراتيجي عن تحالفه مع تيّار المستقبل.
في المقابل، تيقن الجميّل من رغبة الحريري في البحث عن قانون للانتخاب يطمئن المسيحيين.
2 ـــ لم يتردّد الحريري في إبداء عتبه وامتعاضه من تأييد الحزبين المسيحيين اقتراح اللقاء الأرثوذكسي، وتخليهما عن اقتراح الدوائر الـ 50 اللذين كانا تقدّما به قبلاً وأعلن تيّار المستقبل دعمه بلا حماسة. عزا عتبه أيضاً إلى أن شريكيه لم يُنبأه مسبقاً بما يريدان الإقدام عليه. ردّ الجميّل بأن لحزب الكتائب استقلاله في اتخاذه قراراته، أضف أن توافقاً مسيحياً حصل عليه اقتراح اللقاء الأرثوذكسي تحت مظلة بكركي، برعاية البطريرك الماروني، لا يسع حزب الكتائب الخروج منه في مثل هذه الظروف. وقال لمضيفه إن تيّار المستقبل أيّد الدوائر الصغرى وليس الدوائر الـ50.
3 ـــ تحدّث الرئيسان السابقان عن ضرورة الخروج من المأزق باقتراحات جديدة. عرض الحريري الخطوط العريضة لمبادرته التي أضحت في ما بعد اقتراح الدوائر الـ 36، فرد الجميل آخذاً في الإعتبار عاملين اثنين: أولهما ضمان التمثيل المسيحي من دون مسّ صحة تمثيل الأفرقاء الآخرين شرط أن يحظى اقتراحه بالغالبية النيابية . وثانيهما أن المبادرة تصلح كي تكون مدخلاً إلى تطوير النظام السياسي أكثر منها إلى قانون الانتخاب. ولاحظ الجميّل أن اقتراح تطوير النظام مشجع، وهو مطلب كتائبي منذ عام 2007 ولا يزال.
غير أنه أكد للحريري أنه ليس في وارد التخلي عن اقتراح اللقاء الأرثوذكسي من دون التوصل إلى بديل منه يحقق الغاية المتوخاة نفسها، وهي المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين في مجلس النواب، وانتخاب المسيحيين حصتهم كاملة فيه. وقال: يبدو أن ليس في الأفق بديل منه بعد. ولاحظ الجميّل أيضاً أن طرح مزيد من الإقتراحات بغية استهلاكها في الجدل السياسي يرمي إلى تعطيل الانتخابات النيابية أكثر منه البحث عن قانون جديد مقبول.
4 ـــ لم يقدم الجميّل جواباً صريحاً عن رأيه في مبادرة الحريري، سوى القول إنه صالح للمناقشة والبحث فيه. لكنه سأل صاحب الإقتراح عن ردّ فعل رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي كان اجتمع به قبل اجتماعه برئيس حزب الكتائب: هل وافق عليه أولاً؟
5 ـــ خاض الجميل والحريري في احتمال تأجيل انتخابات 2013 تحت وطأة تناقض المواقف من القانون نفسه. طرح الجميّل تحليلين متناقضين حيال مصيرها: أولهما، اعتقاد حزب الله والرئيس ميشال عون بأنهما قد يربحان في انتخابات 2013 ما لا يمكنهما الحصول عليه في أي انتخابات أخرى، خصوصاً عام 2017. لذا قد يشجعان حصولها. وثانيهما، تمسّك حزب الله بالأكثرية النيابية الحالية وسعيه إلى عدم التفريط بها، مع يقينه بأن جنبلاط سيبقى إلى جانبه في السياسة الداخلية ويحافظ على ثبات التوازن المحلي، ممّا قد يحمله على تعطيل الانتخابات للإبقاء على هذا الإمتياز.
أما الحريري فأبدى شكوكه في إجراء انتخابات 2013 إذا استمر الوضع الداخلي على ما هو عليه من توتر وخلافات.
6 ـــ تحدث الرجلان في مصير التحالف داخل قوى 14 آذار، فأكدا أنه يتجاوز قانون الانتخاب إلى تلاق استراتيجي على أهداف وطنية كبرى، في معزل عن تباين جزئي ومرحلي في الرأي. اتفقا على خوض انتخابات 2013 معاً. استفسر الحريري عن أخبار تناقلتها الصحف عن احتمال تحالف انتخابي في المتن يجمع حزب الكتائب والتيّار الوطني الحرّ وحزب الطاشناق والنائب ميشال المر. نفى الجميّل وأبلغ إليه أن مكان حزب الكتائب هو في قلب قوى 14 آذار: منفتح على التحالف مع الآخرين ليس في المتن وحده، بل في كل لبنان، وفق الثوابت التي تجتمع عليها قوى 14 آذار. قال أيضاً إن انتخابات 2013 ليست عادية هذه المرة: وطنية بامتياز تحت وطأة الظروف الدقيقة في لبنان والمنطقة. وشدّد على ضرورة خوضها موحدّين.
7 ـــ لفت الجميّل الحريري، في نطاق مراجعة تجربة التحالف على أبواب انتخابات 2013، إلى أن أحداً لا يسعه الإئتلاف مع حليف في دائرة ومخاصمته في أخرى، مشدّداً على تحالفات شاملة على مستوى الدوائر كلها. لكنه لاحظ افتقار قوى 14 آذار إلى دينامية جديدة باتت تتطلبها الأوضاع المتحركة والمقلقة التي تحتم شعارات نضالية مختلفة، بغية إعادة البريق إلى هذا التحالف واستعادته ثقة الرأي العام به.
8 ـــ قال الرئيس السابق للجمهورية إن المواقف التي تنقذ قوى 14 آذار هي التي تلتزم ثوابتها المعلنة عام 2005 ، وليس شعارات الثورة في هذا البلد أو ذاك، مصرّاً على التزام التحالف الحياد حيال ما يجري في سوريا، مع استمرار دعم حركة الشعوب العربية ومناداتها بالحرية والديموقراطية في وجه الأنظمة الإستبدادية، وكذلك في وجه الحالة السلفية في قلب المعارضة السورية.
ردّ الحريري بموقف معاكس هو مواصلته حملته على نظام الرئيس بشّار الأسد ومعارضته حتى سقوطه.
قال الجميّل إن أحداً لم يعارض النظام السوري كحزب الكتائب، وإن أحداً بين الأفرقاء اللبنانيين لم يُقدّم شهداء في المواجهة مع النظام السوري كحزب الكتائب. وأضاف: لكن العدالة لشهدائنا هي إنقاذ لبنان لا توريطه في ما ليس له، ونقل تداعيات الحرب السورية إليه.
9 ـــ اتفق الرجلان على استمرار التواصل بينهما، وعلى اجتماعات الحلفاء في قوى 14 آذار وإن على مستوى صف ثان. بدوره الحريري عبّر عن ارتياحه إلى عودة حزب الكتائب إلى اجتماعات الأمانة العامة لقوى 14 آذار.

السابق
هامات أعلى من المذاهب
التالي
نحاس: من المبكر الانتقال الى الاستنتاجات قبل الاطلاع على مجمل الملف