نتنياهو في ولايته الثانية

بعدما استتب الأمر لنتنياهو ثانية، وتم تكليفه بتشكيل الوزارة الإسرائيلية تبرز، أسئلة كثيرة حول طبيعة السياسة الخارجية في ولايته الجديدة؟ أهمها هل سيقدم نتنياهو على المفاوضات مع منظمة التحرير؟ وما هو مصير حل الدولتين؟
يفتخر نتنياهو في ولايته الأولى بإنجازات في حقل الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وبلغة أخرى يفتخر بالجمود السياسي الذي غطى القفزة الاستيطانية، وبالادعاء بالخطر الإيراني الذي أعفاه من الاستحقاق الفلسطيني، ومكّنه من المضي في تهويد القدس الشرقية وعزلها عن محيطها.
أما الآن، وقبل تشكيل الوزارة، أي في الزمن الانتقالي، اتخذ نتنياهو قراره بتوجيه الضربة الحيوية للهدف السوري متعمداً اختراق المجال الجوي اللبناني لينقل بهذا الحدث العسكري ـ الأمني السياسة الخارجية الإسرائيلية من دور المراقب للأزمة السورية إلى المتدخل المباشر وبواسطة الذراع الأقوى لإسرائيل "سلاح الجو".
ومن غير المعروف إذا كانت دوائر صنع القرار الإسرائيلي، قد استعدت للحرب، إذا جاء الرد السوري خارج المألوف "الإدانة والاحتفاظ بحق الرد".
في كل الاحوال، يشكل الهجوم الإسرائيلي هذا، نقطة ارتكاز عملية لصياغة السياسة الخارجية، وها هو في خطاب التكليف يفصح نتنياهو عن أولوية التصدي للخطر الإيراني مع تكرار الدعوة الصفراء للتفاوض وتحميل الرئاسة الفلسطينية مسؤولية شلل العملية السياسية.
إذن يبقى المؤشر سلبياً تماماً على المسار الفلسطيني مع استمرار سياسة الحصار على غزة وتضييق الخناق في الضفة الغربية، ما جعل المناخ الشعبي يحتقن ويتجه نحو أشكال المقاومة الشعبية، بينما اتفاق الهدنة الحديث العهد في قطاع غزة، لم يرسخ بعد. لطالما أن الإجراءات العقابية ما زالت سارية المفعول، والمرجع الإقليمي الراعي والضامن للاتفاق في القاهرة، غارق في بحر مشاكله الداخلية.
في الأسبوع الماضي، خرجت توصيات عن لقاء عقده معتمدو السلك الديبلوماسي الإسرائيلي في أوروبا والعالم. وتعرضت تلك التوصيات للمشاكل العديدة التي يواجهها سفراء إسرائيل في شرح سياستها الداخلية إزاء الفلسطينيين والاستيطان.
ومن الملاحظات المهمة التي أشاروا اليها هي أن البيانات الأوروبية ذات الصلة، لم تعد تحمل عبارة "حل قائم على مفاوضات مباشرة بين الطرفين"، وهذا ما يفسر على أنه تخل أوروبي عن السلوك المألوف، وينذر بالتحول إلى تبني سياسة فرض حل دولي للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. هذا ما سعت إسرائيل لتجنبه طيلة العقود السابقة المحسوبة على عملية السلام في المنطقة.
من جهة أخرى، تشير معلومات مصدرها جامعة الدول العربية، إلى نية الجامعة إرسال وفد إلى واشنطن، يحمل تصوراً جديداً لدفع عملية المفاوضات وفق آليات مدروسة، وزمن محدد، وهذا الحراك السياسي الرسمي العربي، له ما يوازيه أيضاً في المبادرة الأوروبية، التي تسعى وراءها لندن وباريس، بينما استمهلتها واشنطن لما بعد إتمام التشكيلات الوزارية الأميركية والإسرائيلية.
إلى ذلك، شهدت عمان مؤخراً مداولات مركزة، لفرص التوجه الرسمي العربي، وعلاقته بالموقف الأوروبي وكذا الأميركي. إلا أن السؤال المركزي يبقى في رسم الموقف الإسرائيلي، وكيف سيوجه نتنياهو دفة سياسته الخارجية في ظل الحصة الوازنة لكتلة الوسط الصاعدة في الكنيست؟.
إلى ذلك، يجمع المحللون السياسيون في إسرائيل على ثلاثة خيارات متاحة أمام رئيس الوزراء، الأول تحالفه مع يائير لابيد، زعيم "هناك مستقبل"، ونفتالي بينيت، زعيم "البيت اليهودي"، لتصبح الحكومة مستندة إلى 67 مقعداً من دون الأحزاب الدينية، وهذا تحالف لا يصمد أمام الكتلة الدينية المتطرفة، لذا هناك خيار آخر هو ضم الأحزاب الدينية إلى الخيار الأول لإنتاج تحالف عريض في الكنيست يحصل على 85 مقعداً، لكنه ينتج حكومة عاجزة عن العمل بفعل تناقضاتها الداخلية أما الخيار الثالث فهو حكومة يمينية ضيقة لديها 60 صوتاً وتلك حكومة معزولة دولياً وغير فاعلة.
لكن أياً تكن خيارات نتنياهو، فإن سياسته الخارجية لن تتجاوز الخطوط الأساسية التي شهدتها الولاية الأولى، إذ أن الانقسام الإسرائيلي الداخلي، لا ينسحب على القضايا الخارجية وتحديداً فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، إذ لم تنتج أي قوة سياسية إسرائيلية تصوراً يخترق القاعدة العامة وجوهرها رفض التسليم بالحقوق المشروعة للفلسطيني. وفي تعبير صريح على هذه الحالة قال الرئيس محمود عباس في خطاب أمام القمة العشرين للاتحاد الأفريقي في أديس أبابا "إن ممارسات الاحتلال ما هي إلا انعكاس لعناصر نظام فصل عنصري يتم تطبيقه بالقوة تحت مسميات مختلفة على أرض فلسطين".
لذا، ليس للفلسطيني الانتظار، ومن مصلحته الدفع بعربة العرب الرسمية لتفعيل مبادرتهم، ومصلحته أيضاً أن يلاقي العربة الأوروبية بحنكة وذكاء، من أجل إنتاج تقاطع بين المصلحة الفلسطينية، والمصلحة الأميركية من شأنه فرض الحل على الدولة العبرية.
ومن أجل إنتاج اصطفاف عربي أوروبي أميركي، لا بد أولاً من اصطفاف فلسطيني داخلي باتت عوامل نجاحه متوفرة، فلا شيء يمنع تحقيق الاصطفاف الفلسطيني إلا الحسابات الذاتية الضيقة. وبات تجاوز تلك الحسابات الفئوية هو الشرط الذي يجعلنا قادرين على إدارة الصراع بكفاءة، وبما يستحقه من جهد وتضحية.

السابق
الحكومة البلغارية تتهم.. وحزب الله غير معني بالرد
التالي
لمصلحة من حادثة عرسال؟