الجيش هو مناعة الوطن

المجد والخلود لروحي شهيدين الجيش اللبناني، الرائد بيار بشعلاني والمعاون ابراهيم زهرمان.
يتعرض جسم الإنسان إلى اعتداء دائم من بلايين الفيروسات والجراثيم المحيطة به، ولا ينقذه إلاّ جهاز المناعة الذي يؤمّن له الحماية الدائمة من الأخطار القاتلة التي تتربّص به باستمرار. وما من إنسان عاقل يعمد الى الاضرار بجهاز مناعته، بل يلجأ الى كل السبل لتقويته وضمان سلامته، فصحة الإنسان ونشاطه وحيويته رهن بهذا الجهاز، وموته يتسارع حتماً عند ضربه وتعطيله، فلا حياة للإنسان مع فقدان المناعة. ومثلما يحتاج الجسم الحي الى جهاز مناعة ليستمر في الحياة، هكذا الوطن لا يحيا من دون جهاز مناعة.
ليس الوطن مجرّد مساحة جغرافية، فالحواجز الطبيعية، على أهميتها، لا تصنع بذاتها حدود الوطن ولا تميّزه وحدها عن غيره من الأوطان.
الحواجز الطبيعية تشكّل عاملاً مساعداً للجماعات البشرية التي تسكن ضمن المساحة المشكّلة داخل هذه الحواجز، فتساعدها في الاتصال والتواصل في ما بينها، وتخفّف وتباعد الاتصال والتواصل مع الجماعات البشرية التي تسكن خارج هذه المساحة. لكنها لا تكفي بذاتها لتكوين الوطن.
ثمّة عاملان أساسيان في بناء الوطن ورسم حدوده:
أولاً، ثقافة الانفتاح التي تسهّل عملية التواصل والاتصال التي تجعلها البيئة الجغرافية ممكنة.
ثانيا، القوّة المادية – الروحية التي تحمي حدود هذه المساحة من تسلّل العناصر المخرّبة ومن العدوان الخارجي الذي تحرّكه أطماع الدول الاستعمارية.
الجيش هو جهاز مناعة الوطن. إنه الحامي والمولّد عناصر الحماية باستمرار. سلامة الوطن وقف على ضمان سلامته، وأي خلل يصيبه يهدّد مصير الوطن ووجوده. هو القوة الضامنة لوحدة الوطن واستقراره من عبث العابثين في الداخل وأطماع الزاحفين من الخارج.
جهاز المناعة القوي يستلزم بناء الجيش الوطني القوي، المسلّح بالعلم والمعرفة والإيمان بوحدة الوطن ووحدة المجتمع ووحدة الدولة. وأخطر الفيروسات القاتلة للجيش بصفته جهاز المناعة الوطنية:
فيروس الارتزاق وبناء جيش من المرتزقة الذين لا تجمعهم عقيدة ولا ولاء موحّد بل يتحرّكون وفق مصالحهم المادية الخاصة. وفيروس الضعف والهزال، ففلسفة الضعف تنبع من سياسة التبعية والاتكال والخضوع للاملاءات الأجنبية التي لا مصلحة لها بوجود جيش قوي، ليسهل عليها توجيه سياسة الدولة بما يخدم المصالح الأجنبية لا مصالح المواطنين. وفيروس التجزئة والعصبيات المحلية على تنوعها واختلافها. فهذا الفيروس حين ينتشر في المجتمع، تتسلّل عدواه الى عناصر الجيش فيشكل خطراً على وحدته ودوره ووظيفته. وفيروس البخل والتقتير على الجيش، عناصر وتجهيزات ووسائل ومراكز ومؤسسات علمية وبحثية مرتبطة بحاجاته واهتماماته وتطلعاته.
نحارب الارتزاق بالجيش الوطني ذي العقيدة الواضحة التي تميّز من دون أي لبس الصديق والعدو.
الجيش الوطني تدفعه عقيدته ورسالته الى مواجهة أعتى الأخطار، فيهزأ بالموت ويندفع في سبيل التضحية والاستشهاد دفاعاً عن الحرية والسيادة والكرامة، ليكون للوطن حياة أفضل.
نحارب فيروس الضعف بفلسفة القوة الذاتية، المبنية على الثقة بأنفسنا، بشعبنا وقدراته الظاهرة والكامنة. فلا حرية ولا سيادة ولا استقلال من خلال الضعف والاتكال على الأجنبي وعلى العهود والمواثيق الدولية. وحدها قوتنا هي الضامن لحقنا ولاحترام العالم لنا.
نحارب التجزئة والعصبيات المحلية بالوحدة الوطنية والولاء الموحد والجامع القائم على أساس ثقافة الانفتاح ومحاربة الانغلاق والتعصب وتكفير الآخر، مع التأكيد على المساواة التامة بين جميع المواطنين من دون أي تمييز.
نحارب البخل والتقتير بالاستثمار الأهم من أي استثمار آخر.
نستثمر في المؤسسة الضامنة للأمن والاستقرار اللذين لا مجال من دونهما إلاّ للخسارة والهوان.
نستثمر في المؤسسة العابرة للمناطق والطوائف والمذاهب والأحزاب، وهي مؤسسة الجيش الوطني اللبناني.
لذا ينبغي تأمين جميع الحاجيات الأساسية لمؤسسة الجيش وضمان مستلزمات تطويرها مادياً ومعنوياً لتكون الحصن الذي لا تزعزعه العواصف أو الأعاصير ويصمد أمام الهزات والزلازل وثورات البراكين.
برهن الجيش اللبناني عن وعي متقدم و شجاعة فائقة، رغم محاصرته بطبقة سياسية قروسطية وأطماع خارجية كبرى لا تستكين، ورغم «فلسفة» الضعف والتجزئة والتقتير، وهي «فلسفة» عقيمة وتافهة تغنت بها الطبقة السياسية لعقود طويلة ولا يزال قسم من الطبقة السياسية الحالية يتغنى بها.
نجح الجيش اللبناني رغم السياسات الفئوية والارتباطات الخارجية والانقسامات الحادة. نجح في الحفاظ على وحدته وتماسكه واستطاع أن يجنّب الوطن أخطاراً كبيرة ويحفظ أمنه ويقمع الفتنة، ويمنع الاقتتال الداخلي الذي يعمل البعض عليه.
نجح رغم حملات التشويه والاستهداف من قبل سياسيين لبنانيين يستخدمون الغرائز والعصبيات المذهبية لخدمة مصالح أنانية ضيقة ترتد خراباً على الوطن وعليهم.
صمد الجيش ونجح على الصعيد الوطني نتيجة بنائه على أساس الوعي العابر للطوائف والمناطق والعشائر والعصبيات الفئوية، وعلى أساس الانتماء الأوحد للوطن والدولة ووحدة المجتمع. إنه الجيش الذي يشكل ضمانة الأمن والاستقرار وضمان سلامة الوطن، لذا يعمل العابثون بأمن الوطن على استهدافه وضرب وحدته وعناصر قوته.
الجيش في أي وطن هو المؤسسة التوحيدية الكبرى الضامنة لأمن المجتمع والدولة واستقرارهما. ولا يجوز على الإطلاق التهاون في محاسبة من يتعرض للجيش اللبناني والمس بهيبته وتشويه سمعته واختلاق الأكاذيب لتبرير ما لا يمكن تبريره، ولا يجوز القفز فوق استهداف الجيش معنوياً أو مادياً من قبل أي كان.
الجيش اللبناني حصن الوطن ودرعه وجهاز مناعته. استهدافه هو استهداف للوطن وجريمة كبرى وخيانة عظمى. لا يجوز التسامح مع هذه الجرائم ولا العفو عن الخيانات المرتكبة في حق الجيش أي في حق الوطن.

السابق
النأي بالنفس وهيبة الدولة
التالي
المعجبون يطلبون بحفيدة الساهر