جبهة النصرة موجودة في عرسال؟

لا أحد يستطيع أن ينسى أنّه في أواخر العام 1999 حاول عدد من أنصار «القاعدة» إقامة بؤرة أمنية في منطقة الضنية، بغطاء سياسي كان مصيره الفشل لأنّ الحكومة اللبنانيّة في ذلك الحين لم تنأى بنفسها عمّا حدث في الشمال، بحيث أعطت أوامرها للجيش اللبناني بالتحرّك والتصدّي السريع لإزالة البؤَر المسلحة وإعادة بَسط هيبة الدولة على المنطقة التي سيطر عليها المسلحون الذين قتلوا العقيد الشهيد ميلاد النداف وسائقه في قرية عاصون.

مشهد الضنيّة يعود الى الواجهة مجددا، ولكن هذه المرّة في بقاع لبنان، وتحديداً في منطقة عرسال، هذه المنطقة التي تشكّل أرضاً خصبة لاحتضان الجماعات الإرهابيّة المسلّحة، والتي تقدّم الدعم المعنوي للاستيطان على أرضها بُغية تنفيذ مخططات مدمّرة.

وهنا مكمن الخطورة، لأنّ هذه المنطقة البقاعية تحوي لبنانيين وغير لبنانيين مسلحين، وهذا ما تبيّن خلال استهداف عناصر مخابرات الجيش اللبناني أثناء قيامهم بمهمّة أمنيّة سريّة الهدف منها إلقاء القبض على خالد حميّد، الذي يتمتع بسجل إرهابي حافل، من ارتباطه بكتائب عبداللّه العزام الارهابيّة الى مشاركته في خطف الأستونيين السبعة.

وفي المعلومات، أنه نتيجة توافر معطيات لمخابرات الجيش اللبناني، وبعد عمليّة رصد ومتابعة أظهرت أنّ حميّد يساهم بتهريب السلاح من الداخل السوري واليه، اضافة الى ارتباطاته الارهابيّة الخطيرة، قامت عناصر متخصّصة في مكافحة الارهاب بمحاولة القبض على حميّد الذي أطلق النار على عناصر الجيش، الذين بدورهم أطلقوا النار عليه، الأمر الذي أدّى الى مقتله.

وتوضح مصادر أمنيّة رفيعة أنّ المداهمة لم تكن بمؤازرة قوّة عسكرية كبيرة، لأنّه في حال معرفة المطلوب بوجود عناصر من الجيش في عرسال، سيلجأ الى الهروب، خصوصاً أنّ لديه أنصاراً في البلدة من لبنانيين وسوريين، الأمر الذي سيدفع الى توريط المحيطين به، وهذا تحديداً ما كانت مديرية المخابرات تسعى إلى تحاشيه منذ البداية، لأنّ الهدف من هذه العمليّة النوعيّة ليس خلق حالة صدام بين الجيش وأهالي البلدة، خصوصاً أن دور الجيش يكمن في منع الفتنة لا في صنعها.

وبعد مقتل المطلوب حميّد، حصل اتصال من قبل عناصر لبنانيين من عرسال وسوريين مع عناصر إرهابيّة موجودة في جرود البلدة، بُغية التحضير للكمين الذي أودى بحياة الشهيدين الرائد بيار بشعلاني والمعاون ابراهيم زهرمان. وتجدر الاشارة هنا الى أنّ الرائد بشعلاني كان الثاني في لبنان في امتحانات البكالوريا، كما أنّه أيضاً الثاني في امتحان المدرسة الحربية، والأول في الدورات العسكريّة.

هذه العناصر الارهابيّة الموجودة في عرسال تمّ التأكّد من أنّها تنتمي إلى "جبهة النصرة" المتواجدة بأعداد كبيرة في المنطقة وبرعاية البعض من سكانها، وهي التي أخذت عناصر الجيش اللبناني الى مبنى البلديّة حيث تمّ تعذيبهم أكثر وسَفك دمائهم بوحشيّة.

وهنا، تطرح أسئلة كثيرة: هل يكتفي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بزيارة بروتوكوليّة عاديّة الى اليرزة وحيث كان من المتوقّع أن يتخذ موقفاً واضحاً من الحادثة ولكنّه لم يفعل؟ حتى أن البعض توقّع أن يصطحب ميقاتي وزير العدل شكيب قرطباوي ليعلن أيضاً موقفاً واضحاً بإجراء تحقيق يَطال كل من يعتدي على المؤسسة العسكرية، الأمر الذي لم يحصل؟

ولعلّ السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو موقف الحكومة من تعرّض الجيش لمؤامرة واضحة في عرسال كان سَبقها ما تعرّض له في نهر البارد، حيث دفع الثمن باهظاً شهداء وجرحى وأيتاماً ومعوقين وأرامل، كما تصَدّيه لعصابات منحرفة في جرود الضنية، خصوصاً أن هذه الجرائم، ونظراً لفظاعتها ووحشيتها، أحيلَت بموجب مراسيم حكومية، كما يفرض القانون، على المجلس العدلي الذي وَقف عاجزاً أمامها على رغم أنّه يضمّ نخبة قضاة لبنان؟ ولا بدّ من التذكير أن جلسات محاكمة مجرمي الضنية لم تنته، ولم تصدر الأحكام بحقهم، فيما جاء قانون العفو في شهر تموز من العام 2005 ليخرجهم من دون محاسبة.

ولا بد من السؤال أيضا عَمّن يعيد للجيش اللبناني حقوقه المسلوبة بالسياسة والمساومات بغطاء القضاء اللبناني الذي يُفترض أن يكون منزَّهاً عن السياسة وصوتاً للحق وصَوناً للوطن وجيشه؟

المطلوبون في حادثة عرسال كثر، وعلى رأس اللائحة، الملقّب في المنطقة بأبو العجينة، نظراً لضلوعه في عمليّات الكسب غير المشروع وتعاونه واستقباله لمجموعات ارهابيّة متطرفّة إضافة الى بيعه للسلاح وتهريبه الى الداخل السوري عبر منطقة عرسال، فضلاً عن أنّه قام بتحريض تنسيقية عرسال لنشر البيان الآتي: "نحمّل مخابرات الجيش اللبناني التابعة لميليشات حزب اللات الصفوية مسؤولية مقتل الشهيد خالد حميد المواطن الأعزل والناشط في الثورة السورية المجيدة، وشباب عرسال يتوعدون لعناصر ومرتزقة عناصر مخابرات الجيش ان هكذا عمليات "تحت جنح الظلام وبلباس مدني" لن تمر مرور الكرام في المرة القادمة، وسنعمل على الاقتصاص منكم لأننا على حق وانتم على باطل. اللهم إنّا قد بلّغنا فاشهَد".

التحقيق جار، والجيش سيقوم بمداهمات لتوقيف المطلوبين في عرسال، فضلاً عن أنّ المدعي العام التمييزي القاضي حاتم ماضي وجّه استنابة قضائية إلى مديرية المخابرات في الجيش يوم أمس لإيداعه كلّ ملفات التحقيقات الجارية حتى الآن، خصوصاً التصريحات التي صدرت، تمهيداً للاطلاع عليها واتخاذ الإجراءات المناسبة في شأنها، لافتاً إلى أنه يُشرف على التحقيقات التي تقوم بها مديرية المخابرات، ولم يتمّ إصدار أيّ مذكرة توقيف في حق الموقوفين حتى الآن.

السابق
لتفكر أسرع عليك بالعلكة !
التالي
الجيش وعرسال: كمين مفبرك ام حادثة مسلحة