الجيش وعرسال: كمين مفبرك ام حادثة مسلحة


طغى الاعتداء، الذي تعرض له الجيش في عرسال، على ما عداه من ملفات داخلية، لما انطوى عليه هذا الاعتداء من فظاعة هزت وجدان اللبنانيين، الذين يجدون في المؤسسة العسكرية الضمانة الحقيقية، وربما الوحيدة، لحماية أمنهم، وسط الحرائق المندلعة في محيطهم.
وقد أضاء الكمين، الذي نُصب لإحدى دوريات الجيش، على مخاطر البؤر والجزر الأمنية التي نشأت على خط التماس مع الازمة السورية، وباتت تعج بكل أنواع المسلحين، من أصحاب الأجندات الخاصة. ولعل أخطر ما في هذا الوضع ان المجموعات المسلحة تحاول ان تتماهى مع البيئة التي تتواجد فيها، وأن تتلطى بها، لحماية تحركاتها على الارض وتكبيل يدي الجيش، بحيث يمكن القول إن عرسال باتت، كما المؤسسة العسكرية، معنية بمواجهة هذه الظاهرة ومنع الفتنة من خلال ترك العدالة تأخذ مجراها حتى النهاية.
لكن للرواية العرسالية وجهاً آخر: كانت أنباء عن الفظائع التي ارتكبت والتمثيل بجثث الشهداء قد وصلت الى مسامع المطلعين الذي آثروا عدم كشفها رحمة بالعائلات واحتراماً لها، في وقت كانت فيه «المؤسسة اللبنانية للإرسال» قد حصلت على الصور التي تثبت اختلاق الحجيري روايته، فتمنت عليها المؤسسة العسكرية الامتناع عن النشر أو تأجيله الى ما بعد التشييع. كما بدأت بعض الصور تبث عبر مواقع التواصل الاجتماعي للجرحى داخل مبنى بلدية عرسال.
ولرواية الحجيري وجه آخر يتحدث بدقة عن تفاصيل العملية. لم يكن معقولاً أن تبلغ قيادة الجيش رئيس بلدية عرسال بأنها تنفذ عملية دهم سرية لملاحقة مطلوب بجرائم إرهابية خطرة، وليس مواطناً عادياً كان في طريقه الى أداء الصلاة كما قال النائب خالد ضاهر والحجيري. لكن ما تكشف من معلومات حتى مساء أمس، دل بوضوح على أن المكمن الذي وقعت فيه دورية الجيش بعد تنفيذ المهمة وخروجها من البلدة بأكثر من نصف ساعة، إنما تم بتبليغ من عناصر من داخل بلدة عرسال، وأن ما حصل من تطويق للدورية من جانب قوة كبيرة ومدججة بالسلاح لم يكن مجرد إشكال، كما سماه رئيس الحكومة. فما حصل، بحسب الرواية، مكمن أُعدّ بعناية، وقد كشفت روايات الجرحى والتحقيقات الأولية الكثير مما لا تزال قيادة الجيش تتحفظ عن نشره الى الوقت المناسب.
لم يصدر الجيش بياناً رسمياً يكشف تفاصيل ما حصل. وكأنه كان ينتظر اكتمال المشهد السياسي ليدلي كل طرف بدلوه، كما حصل أمس. فمع انتهاء مفعول رواية الحجيري، بدأت رواية أخرى عن تورط حزب الله في العملية. رواية بدأت صباحاً مع تسريبات تبرع بها إعلاميون موالون لتيار المستقبل (الذي كان تلفزيونه الوحيد الذي لم يغطّ مباشرة وقائع تشييع بشعلاني). واستكملت بعد الظهر مع النائب ضاهر الذي اتهم حزب الله بـ"التخطيط للعملية" التي تم "التنسيق فيها بين الحزب وبعض الضباط الفاتحين على حساب حزب الله وحسابهم". ومن ثم مع بيان العلماء المسلمين الذي أدان ما سماه "الحادثة الملتبسة التي أدت الى استشهاد حميد" ودعا الجيش الى فك الحصار عن البلدة وإطلاق المعتقلين، ملمحاً الى تورط حزب الله في العملية.

السابق
جبهة النصرة موجودة في عرسال؟
التالي
السفير: الدولة في المريجات .. وقهوجي: لا للعب على الوتر الطائفي