خط أحمر؟


يذكّر الاعتداء الإسرائيلي على الأراضي السورية بلعبة الخطوط وألوانها، المألوفة بين الحكم الأسدي مع الأب والابن من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية..
"تفاهمات" غير مباشرة صاغها الأميركيون وحدهم منذ انتهاء حرب العام 1973 حتى الأمس القريب. وهي نصّت وتنصّ على "حدود" مرسومة بدقّة وممنوع تخطّيها. أبرز المعروف وشبه المعلن منها (مثلاً) يعود إلى العام 1976 مع دخول الجيش السوري إلى لبنان بحيث كان نهر الأولي آخر نقطة جنوبية ينتشر فيها. ويتذكّر كثيرون كيف انسحبت آنذاك وحدات من ذلك الجيش من منطقة النبطية، بعد أن كانت وصلت إلى هناك قبل إتمام رسم "الخط الأحمر" الخاص بالخارطة اللبنانية.
التزم الأسد الأب بذلك الخط وبغيره، على عادته وشهرته. ووقف عند التزاماته حتى في خلال المواجهات العسكرية المباشرة التي جرت في لبنان وفي سمائه مع الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982. لكن يمكن للخيال التقني التحليلي أن يسترسل إلى خطوط كثيرة أبرزها وأغلظها يتصل بجبهة الجولان التي بقيت قرابة أربعين عاماً هادئة هدوءاً يشبه المستحيل. بحيث إنه، حتى عند حدود مصر والأردن اللتين أبرمتا "معاهدات سلام" مع إسرائيل سُجِّلت خروق أمنية عدّة في السنوات الماضية، لكن لم تُسجَّل بعد اتفاق وقف النار والهدنة الإسرائيلية السورية في العام 1974 أي خروق من أي نوع في المرتفعات المُحتَلَّة حتى لو كانت متأتية من خرطوشة صيد!.
المشهور عن الأب، مفقود عند الابن. يتفلّت من "التزاماته" ولا يملك صدقيّة والده. وحالته الراهنة تدفعه إلى ترسيخ ذلك الأداء وردفه بنَفَسٍ متحدٍّ ويائس.. وواضح بمعنى ما، إنّ الوضع الداخلي المتفجّر منذ نحو عامين يدفعه إلى خيارات خارج نطاق "التفاهمات" غير المعلنة: حاول التجريب في قصّة السلاح الكيماوي ولُجم. ويبدو راهناً أنّه يحاول تخطّي "المسموح له" في قضية نقل الأسلحة الصاروخية (؟)، علماً أنّ تدمير منشأة دير الزور في العام 2007 قبل اكتمالها، كان تدميراً لطموح من خارج النص.
الغارة الإسرائيلية بالأمس، بقيت بتفاصيلها عند أصحابها على الجانبين. المعتدي والمتلقّي و"المعنيين" محلياً وإقليمياً ودولياً. لكنها على تذكيرها بطلاسم العلاقات والحدود والخطوط في مثلّث الرعب الإسرائيلي السوري اللبناني، فهي تضيء بأشعة ليزرية على السلوك الأسدي في مجمله. الذي لم يجد في الاعتداء على سيادة سوريا، إلاّ تدخّلاً إسرائيلياً لمصلحة الثائرين عليه وعلى تركيبته الفئوية الحاكمة والمتحكّمة! لم يستحِ أو يخجل من إنكار الحقائق الفاضحة القائلة بأنّ طيرانه الحربي الذي يفتك بشعب سوريا ويدكّ مدنها وقراها ويحيلها خراباً ودماراً منذ أكثر من عام، بقي رابضاً على الأرض في مواجهة الطيران الإسرائيلي!! حتى التركيبة اللغوية المعتادة عن حفظ الحق بالرد "في الوقت المناسب" (طبعاً!) غابت عن البيان الذي صدر في شأن عدوان الأمس!
لا يستقوي إلاّ على أهله ولا يتمرجل إلاّ على الضعفاء.. علماً (بالمناسبة) أنّ التذكير واجب أيضاً بما قاله أكثر من مسؤول إيراني في الآونة الأخيرة وأبرزهم مستشار المرشد الأعلى، الدكتور علي أكبر ولايتي من "انّ أي اعتداء على سوريا هو بمثابة اعتداء على إيران".. كيف يُصرف هذا الكلام الآن!! أم أن التصدّي لإسرائيل من سوريا هو "خط أحمر"؟!

السابق
طور سركيسيان رد على صحناوي: لتغييره بآخر يتمتع ب G3 افضل
التالي
تعيين الراعي عضوا في 3 دوائر فاتيكانية