حزب الله يستدرج حرباً إسرائيلية من سوريا

لم يكتف «حزب الله» بنقل الأزمة السورية إلى لبنان، إن بتورّطه العسكري في المواجهة إلى جانب النظام، أو برفضه ضبط الحدود اللبنانية-السورية، بل ذهب إلى حدّ تجاوز الخطوط الحمر بنقل أسلحة متطورة من سوريا إلى لبنان تُشعِل حرباً مع إسرائيل.

يبدو أن "حزب الله" يريد تكرار سيناريو تموز 2006، إنما هذه المرة من البوّابة اللبنانية الشمالية لا الجنوبية. فهو يدرك أن نقل أسلحة نوعية تخلّ بالتوازن الاستراتيجي في الصراع مع إسرائيل غير مسموح، وهذا الأمر ليس سراً، فالصحافة الإسرائيلية والغربية أثارتا هذه المسألة بشكل شبه يومي على صفحاتها، فضلاً عن أن المسؤولين الإسرائيليين، وحتى الأميركيين، حذروا مرارا وتكرارا من انتقال أسلحة كيماوية أو منظومات دفاع جوي روسية إلى الحزب.

فإسرائيل جادّة في هذه المسألة، وإذا كان الحزب في صدد اختبار ردّ فِعلها، فالرسالة وصلت بشكل لا يحتمل الالتباس. وبالتالي، بعد تأكّده من جديّتها، عليه أن يعيد حساباته كون اسرائيل على استعداد لأن تُشعل حرباً لمنعه من امتلاك هذا السلاح، فضلاً عن أن الغارة الجوية التي نفذتها على قافلته التي كانت تنقل السلاح جاءت منسّقة بالكامل مع واشنطن، ما يعني أن تلّ أبيب تحظى بالغطاء الكامل على هذا المستوى، والدليل تحذير البيت الأبيض سوريا من أيّ محاولة لنقل أسلحة إلى "حزب الله"، وذلك خلافاً للضربة على المفاعل النووي الإيراني الذي ما زالت الولايات المتحدة ترفض إعطاءه الضوء الأخضر.

يعلم "حزب الله" علم اليقين أن هناك دائما خطوطاً حمراء ممنوع تجاوزها، وما ينطبق عليه اليوم انسحب على حليفه السوري في لبنان على مدى العقود الثلاثة المنصرمة، حيث كان يمنع عليه تجاوز خط الليطاني أو مجرّد تحليق طيرانه. ولا يشكّل الحزب، في المناسبة، سوى نقطة في بحر النظام السوري. وبالتالي، توهّم أن بإمكانه تسريب هذه الأسلحة وتهريبها في محاولة فاشلة تحت عنوان: وَهم توازن الرعب.

هذا التوازن القائم فقط في مقدمات نشرات الحزب الإعلامية وعلى لسان قياداته والقوى الملتحقة به، فيما الحقيقة أنّ ترسانته تشكّل أكبر خدمة لإسرائيل التي تتذرّع بها لاستبعاد الخيارات السلمية، ولكن شرط أن تبقى هذه الترسانة تحت السقف المرسوم لها.

هناك من اعتبر الضربة الإسرائيلية منعطفاً وتحوّلاً في مسار الأزمة السورية، وأن إسرائيل انخرطت عَلناً في معركة إسقاط النظام السوري، ولكن هذا الكلام لا يمتّ إلى الحقيقة بصِلة، ليس من زاوية أن تل أبيب شكلت تاريخيا الضمانة لاستمرار هذا النظام، إنما لأن إسقاطه هو قرار دولي لا إسرائيلي، وفي حال اتخذ المجتمع الدولي هذا القرار لن يُوكِل تل أبيب مهمة تنفيذه، لأنّ تدخّلها في هذا السياق يصبّ في مصلحة النظام، وينعكس سلباً على معارضيه بتصويرهم أدوات إسرائيلية.

ولم تأت هذه الضربة بالتأكيد لإعطاء النظام جرعة دعم في مواجهة الثوّار على قاعدة التمَسّك به، وعلى خلفية أنّ ما يتعرض له هو نتيجة مؤامرة إمبريالية وصهيونية تستهدف خطّ ما يُسمّى بالمقاومة والممانعة. وأيّ كلام من هذا النوع هو وَهم، لأنّ تل أبيب تدرك أن النظام السوري انتهى، وهو بالكاد يحمي ما تبتقى من نفوذه، فضلاً عن أن التجربة السورية لن تختلف عن التجربة المصرية.

وإذا كانت إسرائيل مستفيدة نوعاً ما من إطالة أمَد الصراع السوري الداخلي بغية ضمان وجود دولة سورية ضعيفة على حدودها على مدى العقود المقبلة، فهذا لا يعني أنها في وارد التدخّل دعماً للنظام أو معارضيه.

أمّا وفي حال أقدم النظام على ضرب إسرائيل للقفز فوق صراعه الداخلي، فسيلقى عند ذاك الرد المناسب، لأنه يكون البادئ بفتح النار عليها، ولكنه لن يقدم طبعاً على خطوة من هذا النوع، كونه سيبقى متأكداً حتى لحظة سقوطه، على غرار الذين سبقوه في تونس ومصر واليمن وليبيا، أنّ في استطاعته التغلّب على "المؤامرة التي تُحاك ضده".

ولذلك، سيحافظ على كل الخطوط الحمر التي التزم بها والده مع إسرائيل والمجتمع الدولي، ومحاولة تواطؤه مع "حزب الله" لإيصال سلاح نوعي له جاء في إطار "تَهريبَة" في توقيت ظنّ أنّ في استطاعته تمريره.

الخلفية الوحيدة المتحكمة بالضربة الإسرائيلية على قافلة "حزب الله" أنها تشكّل تهديدا للأمن القومي الإسرائيلي فقط لا غير، ولا دخل لها لا من قريب أو من بعيد في الأزمة السورية. فما يَهمّ تل أبيب هو حماية نفسها ومنع "حزب الله" من امتلاك ترسانة تشكل تهديدا لعمقها، أو تحول دون قدرتها على اختراق المجال الجوي اللبناني، هذا الاختراق المرفوض شكلا ومضمونا.

لكنّ وجود الحزب نفسه يمنحها، بالمعيار الدولي، الغطاء للقيام بهذه الانتهاكات من زاوية وجود قوة "إرهابية" تهدد وجودها، وأنها ليست في وارد وَقف طلعاتها لمراقبة تحركات الحزب المعادية لها، فيما الطريق الوحيد لمَنع انتهاكاتها يتمّ عن طريق عودة السيادة إلى الدولة اللبنانية وبواسطة القرارات الدولية.

والثابت لغاية الآن أنّ استهداف الطائرات الإسرائيلية للهدف المحدد من دون غيره، يعني أن واشنطن وتل أبيب ليستا في وارد الذهاب نحو حرب إقليمية، وجاءت الرسالة العسكرية لتحذّر دمشق و"حزب الله" من مغبّة تكرار هذه المحاولة التي ستكون كلفتها كبيرة جداً، وتتعدى في المرة المقبلة حدود استهداف القافلة نفسها.

فما يقوم به الحزب اليوم هو استدراج حرب إسرائيلية، ولكن هذه المرة من البوّابة السورية، هذه الحرب التي ستدمر لبنان مجددا وتدخله في مواجهة لا ناقة ولا جمل له فيها.

السابق
توقيف ضابط ورتيب
التالي
كلينتون: نافذة الحوار مع إيران لا يمكن ان تبقى مفتوحة