الصمود السوري والمأزق الغربي


تتوقّع مصادر دبلوماسية متابعة لأوضاع المنطقة، أن تشهد الأشهر القادمة نهاية المرحلة التي سُميت بـ«الربيع العربي»، حيث ان الاهتمام في الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين، وخصوصاً فرنسا، سيتركز على تلمّس أهون الطرق للخروج من حالة الوهم التي أعقبت الانتفاضات والتحرّكات الشعبية في العديد من الدول العربية، قبل عامين.
وتعتبر المصادر أن بداية النهاية لتلك الحقبة ترتسم في أهم دولتين وهما مصر وسورية، إلى درجة أن بعض الخبراء الغربيين يرون أن العلاقة عضوية ووثيقة بين ما يجري في مختلف ساحات هذا «الربيع». وأن صمود الدولة السورية قد فضح حقيقة المخطط الأميركي، وكسر الهجمة العالمية التي استهدفتها، وقد استطاعت سورية أن تفرض معادلات جديدة في المنطقة والعالم، وهي تكفلت بكشف الوجه الحقيقي لتنظيم «الإخوان المسلمين» الذي ظهر بوصفه قوّة عميلة للغرب، تتبنى الإرهاب والقتل الدموي ورفض الحوار والصراع السياسي العلمي، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع.
وقالت المصادر، إن كل ذلك ما كان ليحصل لولا الصمود والصلابة اللذين ميزا الدولة السورية، ولولا برودة الأعصاب والحنكة التي صاغ بها الرئيس بشار الأسد مبادراته السياسية، وتعامل من خلالها مع التحركات العربية والدولية، بوصفها عدواناً أجنبياً على دولة مستقلّة ومشروعاً للتخريب والتفتيت يتصدّره «الإخوان المسلمون» الذين تكفّلت قيادتهم في مصر، بعد انتخاب محمد مرسي للرئاسة، باستكمال صورة الاستبداد والإلغاء.
أما في الدول الأخرى، وكما تقول المصادر الدبلوماسية، فإن الواقع ليس أفضل حالاً، ففي تونس فوضى أمنية وسياسية واضطرابات واسعة النطاق، وفي ليبيا تسيطر الميليشيات المتناحرة على الشارع، وتتواجد «القاعدة» في كثير من المناطق، بينما تقيم المخابرات «الإسرائيلية» والأطلسية أوكارها على الأرض، وفي اليمن يتواصل عدم الاستقرار والاضطراب السياسي إلى ما لا نهاية، في حين تعزّز «القاعدة» انتشارها في ظل تراجع سيطرة الدولة المركزية، وصعود القوى المسلّحة لأطراف وطنية أبرزها «الحراك الجنوبي» و«الحوثيون».
المأزق الغربي في رأي الخبراء، انطلق من سورية بعد تقدّم الدولة وقواتها المسلحة على الأرض، وبفعل الموقف الشعبي الداعم للرئيس الأسد وللجيش السوري، فقد سقطت نظرية الجنرال «بترايوس» حول إمكانية استعمال «الإخوان المسلمين» وذراعهم العسكرية، وإعادة تشغيل بعض أجنحة «القاعدة» التي اختبرها الجنرال الأميركي في العراق، كما أدّت التطورات المتلاحقة إلى إحياء المخاوف من الإرهاب «القاعدي» مجدداً.
أما في الشمال الأفريقي، فترتسم معالم ورطة فرنسية من خلال التدخل العسكري المباشر في مالي، بينما بدأت «جبهة النصرة» التي أدرجتها الولايات المتحدة على لوائح الإرهاب تمثل هاجساً جدياً لأميركا وللدول المتورّطة في الحرب على سورية، والتي تخشى استدارة المسلّحين المهزومين من سورية إلى بلدانهم كما حصل في أفغانستان، في حين أن لبنان والأردن وتركيا يواجهون تهديداً أمنياً راهناً من خلال الأوكار والقواعد العسكرية ومراكز التدريب والتجميع التي أقامتها العصابات التكفيرية بهدف تهريب المسلّحين إلى سورية، والتي يواجهها الجيش السوري بشدّة وحزم، وهو ما يجبر العصابات الإرهابية على الارتداد صوب الأوكار في الدول المجاورة، وهي عاجلاً أم آجلاً سوف تتحرّك وفود من الاستخبارات الغربية والعربية والتركية إلى دمشق، لتطلب وتحصل على نصيب من كنوز المعلومات، التي لا بد من الاستعانة بها في مكافحتها للإرهاب وحماية أمن دولها.

السابق
هل تولد المساعدات أثرياء جدداً؟
التالي
الأسبوع الوطني للمطالعة في ثلث نيسان الأخير