ملثّمو بلاك بلوك يقرعون طبول الحرب!

مشهد أول: طبول الحرب في ميدان طلعت حرب (24/1/2013).
يقترب صوت قرع الطبول تدريجياً من آذان رواد مقهى يلامس شارع صبري أبو علم. يرتفع الصوت ليبلغ ذروته ما إن يتراءى على بصر الجالسين مشهد لشبان ملثمين ويرتدون ثياباً سوداء خلال اختراقهم مقاهي شارع البورصة. يتلاشى الصوت ليعود تدريجياً كهدير البحر بعد استدارة يقوم بها الشبان ليكملوا مسيرهم باتجاه ميدان طلعت حرب.
في الميدان، يتسلق أحد الملثمين قاعدة تمثال طلعت حرب ليلوّح بعلم أسود ضخم كتب عليه باللون الأبيض حرفا «بي بي»، ويستمر قرع الطبول برتابة تثير توتراً، وتطرح تساؤلات حول هوية هؤلاء الشبان الذين يشيعون أجواءً من الغموض والقلق لدى المارة، تعززها عبارات خطّت على لافتات يحملها ملثمون آخرون اجتمعوا حول التمثال، وكُتبت عليها عبارات من قبيل «الانتقام»، «الانفجار»، «الدم بالدم»، «القصاص أو الفوضى»… الخ.
تسأل أحد الناشطين عن هؤلاء، فيجيب «بلاك بلوك». تستوضحه عن هذا الفصيل الثوري الجديد فيقول «هم يشكلون ظاهرة جديدة وغامضة… شيء يشبه الألتراس».
مشهد ثانٍ: احتراف تنظيمي في مسيرة دوران شبرا. (25/1/2013).
قبل دقائق من انطلاق مسيرة القوى الثورية من دوران شبرا، ينطق شاب ملثم عبر مكبّر للصوت بكلمة واحدة: «جيكا». هي كلمة السر التي يتجمع فور إطلاقها عدد من شبان «بلاك بلوك» في مقدمة إحدى كتل المشاركين في المسيرة. يطلق أحد «قادة» المجموعة الأمامية إشارة بصرية بيده عبر ضم الأصابع إلى راحة الكف. هي رسالة مشفّرة لكي يقترب أفراد المجموعة بعضهم من بعض. يصدر «القائد» أوامره بهدوء «اثبت»… «استدر»، فيستجيب أفراد المجموعة بسرعة لافتة… وتنطلق المسيرة.
هو نموذج عن سبل التواصل بين أفراد مجموعة حديثة التكوين تمتلك قدرة عالية على التنظيم تزيد الغموض الذي يلفها.
مشهد ثالث: حماية الثورة من الفوضى في شارع القصر العيني (26/1/2013).
بعد ظهر يوم الفوضى التي تلت صدور أحكام الإعدام بحق المتهمين في مذبحة استاد بورسعيد، يجتمع خمسة أصدقاء على الغداء في منزل قريب من مبنى وزارة التموين في شارع القصر العيني. لا يكاد الأصدقاء الخمسة يلتهمون وجبة البط البلدي المحمّر الذي وصل صباحاً من قرية في صعيد مصر، حتى يشتمّون رائحة الغاز المسيّل للدموع. تلك كانت الإشارة إلى اقتراب المواجهات من المنزل. من الشرفة المغلقة بواجهة زجاجية، يراقب الخمسة ما يجري: فتيان وشبان يضرمون النيران أمام البوابة الرئيسية لمبنى الوزارة، وآخرون يحاولون اختراق البوابة الثانوية في شارع صفية زغلول.
الرغبة في العنف تجعل من الصعب السيطرة على الموقف. يهب الفتيان والشبان لاقتحام المبنى وإضرام النار فيه. يفشل سكان المباني المجاورة وبوابوها في منعهم عن تنفيس غضبهم… وحده شاب من «بلاك بلوك» ينجح في تنفيذ تلك المهمة قبل أن ينسحب بهدوء. لم يتمكن الملثم من منع المواجهات العنيفة التي تلت محاولة الاقتحام لكنه نجح في حماية أحد المرافق المهمة في الدولة.
هو التناقض ضمن مجموعة واحدة تثير القلق والطمأنينة في أجواء الثورة التي تلامس الفوضى في شوارع مصر.
تختزل المشاهد الثلاثة ظاهرة الـ«بلاك بلوك» التي اخترقت سريعاً ميادين الثورة من القاهرة إلى الاسكندرية، ومن المنيا إلى سيناء… لتتحول بين ليلة وضحاها إلى محور أساسي في أحاديث المواطنين وتقارير المراسلين وتعليقات الكتاب وتحذيرات أجهزة الدولة.

السابق
الأسد لا يسقط اليوم ولا يبقى غداً!
التالي
رقص مولوي مُفاجئ في الشارع