مبادرة الحريري لتعديل الطائف أم لثورة دستورية؟!

إذا صحّ أنّ المبادرة التي سيعلنها الرئيس سعد الحريري في حديثه المتلفز مساء اليوم تدعو الى انتخاب مجلس شيوخ ومجلس نوّاب على أساس طائفي، فإنّ ذلك سيكون مخالفاً لاتفاق الطائف وللدستور المنبثِق منه، اللهمّ إلّا اذا كان الحريري وفريقه السياسي في صَدد «ثورة دستورية»، على حدّ ما قال رئيس مجلس النواب نبيه بري لرئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة خلال الاتصال الهاتفي الأخير بينهما قبل أيام.

والواقع أنّ انتخاب مجلسي نواب وشيوخ على أساس طائفي، إنما يتطلب تعديلا دستورياً،على حدّ قول برّي للسنيورة، ويفترض أن يأخذه الحريري في الاعتبار اذا صحّ انّ مبادرته تقضي بهذا الانتخاب. فالدستور يحدّد في المادة 67 منه طريقة تعديله، بالآتي: "يمكن إعادة النظر في الدستور بناء على اقتراح رئيس الجمهورية، فتقدّم الحكومة مشروع القانون الى مجلس النواب".

كذلك، يحدد الدستور في المادة 77 منه طريقة أخرى لتعديله، وهي من خلال طلب مجلس النواب بناء على اقتراح يقدّمه عشرة من اعضائه على الاقلّ خلال عقد تشريعي عادي ويَنال موافقة اكثرية ثلثي اعضاء المجلس النيابي، ثم يبلّغ رئيس المجلس هذا الاقتراح الى الحكومة طالباً اليها إعداد مشروع قانون في شأنه، "فإذا وافقت بأكثرية ثلثي اعضائها عليه وَجبَ عليها ان تضع مشروع التعديل الدستوري وتطرحه على المجلس خلال 4 اشهر، واذا لم توافق، فعليها ان تعيد القرار الى المجلس ليدرسه ثانية، فإذا أصَرّ المجلس عليه بأكثرية ثلاثة أرباع مجموع الاعضاء الذين يتألف منهم قانوناً، فلرئيس الجمهورية حينئذٍ إمّا إجابة المجلس الى رغبته، او الطلب من مجلس الوزراء حَلّه وإجراء انتخابات جديدة في ثلاثة اشهر، واذا أصَرّ المجلس الجديد على وجوب التعديل وَجبَ على الحكومة الانصياع وطَرح مشروع التعديل الدستوري في مدة اربعة اشهر".

ربما لن يصِل الامر الى هذا الحد إزاء مبادرة الحريري إذا جاءت بهذا المضمون اليوم، لكنّ الدستور حدّد في المادة 22 منه طريقة إنشاء مجلس الشيوخ بالآتي:

"مع انتخاب اوّل مجلس نواب على اساس وطني لا طائفي، يُستحدث مجلس الشيوخ تتمثّل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية".

يُستدلّ من هذه المادة انه ما لم يحصل تعديل دستوري يلغي هذا النص، كذلك بقيّة النصوص الدستورية التي تحدد أصول انتخاب أعضاء المجلس النيابي، فإنّ أيّ خطوة تتخَذ خارج هذا التعديل تُعدّ حسب خبراء دستوريين خرقاً للدستور المنبثِق من اتفاق الطائف. وبموجب الدستور لا يمكن تأليف مجلس الشيوخ ما لم تلغَ الطائفية السياسية، وفق الآلية المحددة في المادة 95 من الدستور.

وحتى يتمّ إنشاء مجلس الشيوخ ينبغي انتخاب مجلس نواب على اساس وطني لا طائفي، ما يعني انّ انتخاب مثل هذا المجلس يفرض إلغاء الطائفية، وإلغاء هذه الطائفية يفرض تطبيق المادة 95 من الدستور التي تنصّ "على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين (مثل المجلس الحالي وكل المجالس التي سبقته منذ التعديل الدستوري الصادر في 21/9/1990 ) اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية تضمّ، بالإضافة الى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية". وحدّد الدستور مهمة هذه الهيئة في "درس واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية، وتقديمه الى مجلس النواب والوزراء، ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية".

لذلك، يرى سياسيون انّ المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها لبنان نتيجة الأزمة السورية، لا تتيح نفاذ مبادرات من نوع مبادرة الحريري او ما يشبهها، لأنه يستحيل إجراء التعديل الدستوري الذي تفرضه، علماً انّ التعديل، الذي يعني تعديلاً لاتفاق الطائف، لا يمكنه النفاذ أيضاً، خصوصاً انّ الجميع طالبوا ولا يزالون يطالبون، وفي مقدّمهم تيار "المستقبل"، باستكمال تطبيق هذا الاتفاق، بل يُعلنون في مختلف المناسبات تمَسّكهم به.

وفي اعتقاد هؤلاء السياسيين انّ معظم ما طُرح، ولا يزال يُطرح، من مشاريع قوانين انتخابية، الى جانب المشروع الذي طرحته الحكومة وأحالته الى مجلس النواب، لا تعدو كونها مادة لتمرير الوقت لدى البعض في انتظار تَبَلور مستقبل الأزمة السورية، علماً انّ بعضاً آخر لا يريد للانتخابات ان تُجرى في مواعيدها أصلاً، في ضوء رهانات وحسابات محلية واقليمية ودولية لديه، خصوصاً اذا طالت هذه الأزمة. وقد تَكشّفَ ذلك من تصرفات نواب بعض الاطراف السياسية في اللجنة الفرعية خلال اجتماعاتها الـ 18 المنصرمة في ساحة النجمة.

السابق
حماس تخطط للتوسع في تدريس اللغة العبرية في مدارس غزة
التالي
العميد حطيط لـ”الجمهوية”: العدوان من طبيعة السياسة الاسرائيلية