سعد الحريري في بيروت

هل يعود سعد الحريري الى لبنان؟ سؤال قد يكون من الواجب طرحه في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها البلد على ضوء ما يجري في المنطقة والمحيط،، ذلك ليس لأن الحريري بحجم أزماتها، بل لما لهذه الأزمات من تأثير على المسارات التي سار بها الرجل ورهاناته التي خابت بمجملها، وصولاً الى ما وعد نفسه به بالعودة الى بيروت عن طريق دمشق، لكنه بات مجبراً على الأرجح إذا قرر العودة أن يمر بمطار بيروت أو ربما عبر شواطئها.
إطلالة الحريري المرتقبة عبر الإعلام اليوم تعبّر عن نفسها، فهي لا تخرج عن الإطار التمهيدي لتلك العودة «الموعودة» بالرغم من عدم زوال الأسباب المفترضة، والتي تم الترويج لها لإيهام الناس بأنه صاحب «رأس» مطلوب من قبل أخصامه، لكن غيابه في حقيقة الامر لا يعدو كونه سوى «حرد» فتيان» بعدما فقد «لعبة» الموقع الذي كان يشغله بسحر ساحر لعب الدور الاساس فيه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي طالما خابت حساباته لكنه كان أوفر حظاً من الحريري في لعبتي السلطة والمال.
ماذا يمكن للحريري أن يقول اكثر مما كان يقوله، بالرغم من أنه يجب أن يكون قد تعلّم دروساً كثيرة من تجربته، خاصة وأن حزبه (المستقبل) في لبنان رسَم في كثير من مواقعه علامات استفهام كبيرة حول آداء «رئيسه» وغيابه القسري عن ساحة «جهاده»، في الوقت الذي ترك فيه الجمهور الذي قلّ «عرضه» يواجه أزماته بنفسه مع تراجع حجم الدعم الذي كان يصله، فيما لم يتحقق شيء مما كان منتظراً على المستوى السياسي، لا سيما بشأن الأزمة السورية، إذ لم تحقق لا للحريري ولا لجمهوره ولا للدول الراعية لهم أية أمنية من الأماني بالتغيير المنشود، اللهم سوى التدمير المقصود والذي اعتمد كمقدمة للسيطرة كما حصل في لبنان إبّان حربه الأهلية.
أجرى الحريري الكثير من المشاورات في الأسبوعين الماضيين في مقاراته في الخارج، وبالتحديد تلك التي شملت القيادات اللبنانية من حلفائه، الذين «قصدوه» بأنفسهم في محاولة لرسم خارطة طريق انتخابية للانتخابات التي من المفترض أن تجري مطلع الصيف المقبل، أو ربما تمنى عليهم زيارته في إطار التمهيد لعودته، إذ لا يمكن للحريري أن يدير انتخابات من الخارج وهي وإن حصلت فإنها ستكون سابقة لم تجر حتى في «جمهوريات الموز» وما يحكى عن ديمقراطيتها، ناهيك عن الاستخفاف بالجمهور، الذي علق آمالاً على قيادته الى درجة الاستعباد لها.
لم تتوصل اللقاءات التي أجراها الحريري مع الأقطاب من الحلفاء، بحسب مراقبين متابعين، الى أية تصورات حول التحالفات الإنتخابية، خاصة أن ليس لدى أي من الفرقاء أية فكرة عن قانون الإنتخاب الذي سيعتمد في الإنتخابات، في حين أن الجميع يهمس بأن النهاية ستكون محسومة لقانون الـ 60، أولاً لعدم «توفر النية» لإيجاد قانون آخر، وثانياً لأنه يبقى أهون الشرور بالرغم من الاصوات العالية التي تصر على اعتماد «المشروع الأرثوذكسي»، الامر الذي يرفضه الحريري باسم السنّة في لبنان وربما في المنطقة، وهو ما سيؤكد عليه في إطلاق فعاليات العملية الإنتخابية بواسطة ألة التحكم عن بُعد في الإطلالة التمهيدية بعد طول غياب.
لا يختلف أحد من حلفاء الحريري السياسيين أو اخصامه على الموقف الصعب الذي يقفه الرجل بعد الفشل الذريع الذي منيت به حقبته في السلطة، واعتماده الموقف المعارض الحاد الى درجة الكسر وهو ما لم يسبقه إليه أحد من السياسيين اللبنانيين المخضرمين الذين كانوا دائماً يحافظون على مساحة من التلاقي لفهمهم العميق طبيعة التركيبة اللبنانية، إلا أن الحريري الذي رفض المشاركة في آخر حكومة قائمة بعد خسارته حكومته ودفعه الأمور الى أقصى درجات المواجهة ليس فقط في السياسة، بل في لجوئه الى النفخ في البوق المذهبي كأسلوب للثأر وإعادة التموضع، فهو يحتاج الى حنكة لا يملكها وقد بذل الكثير من الجهود وتقديم التنازلات في محاولة لقبوله مرة أخرى في هذا الوسط المعقّد والمتشابك في السياسة اللبنانية، حيث لن يكون له عبرها أي دور في ما يرسم على مستوى المنطقة بعدما ثبت بالدليل الشرعي، وبانتظار الدليل القانوني، تورطه وجماعته في الازمة السورية وما آلت اليه من دمار وسفك دماء لن يغطيه فيها أحد.
لا يسعنا إلا أن نتمنى للحريري التوفيق في إطلالة ستكون مملة حكماً، بالرغم من كل الزخم الذي تتولاه حملات الترويج لها.

السابق
دواء سبب300 ألف نوبة قلبية
التالي
إسلاميو مصر يواجهون “بلاك بلوك” بـ”وايت بلوك”