رقص مولوي مُفاجئ في الشارع

لا شيء مختلفا في الحمراء. روّاد المقاهي يتشابهون، وكذلك المارّة. يوم الجمعة الفائت، كان من المقرّر له أن يمرّ كغيره. لكن حدثاً سريعاً، تمكّن من تغيير مسار العابرين، ولو لدقائق.
حطّت امرأة بزيّها "الغريب" في الساحة المجاورة لـ"ستاربكس". علا صوت الموسيقى، التي كانت قد سبقت وصول المرأة. سريعاً تشكّلت دائرة، في حركة منطقيّة ساعية لفهم ما يجري. أبيض وأحمر وقليل من الذهبيّ في مزيج سرق الأنظار. ألوان الزيّ "الفضفاض" في جزئه السفليّ جاءت ملفتة. تهيّأت الأجواء وبدا واضحاً أن السيدة حضرت لتقديم عرض راقص. أحاطها روّاد المقهيين المجاورين بهواتفهم، وكذلك المتوقّفون على الأرصفة وجوانب الطريق. لم تتمكّن من إخفاء بعض الخوف. ارتجف جسدها بأكمله، وهو يتهيّأ لبدء تمايله. دقيقتان وانتهت من تنظيم ثوبها ووقفتها، ومن السيطرة على "رجفة" جسمها. هنا بدأت حركتها الدائرية ومعها حلّقت بثوبها الأبيض. بين الواقفين تردّدت كلمة واحدة "دراويش"، "رقصة الدراويش".
دوران دائري لأكثر من خمس دقائق، أنهك الراقصة سهام مصطفى. وهكذا على مدى ثلاث عشرة دقيقة، راحت تدور حول نفسها ثم تعود لتنظّم حركتها وتعاود رقصتها "المولويّة". بدا واضحاً تغيّر معالمها وحركات وجهها مع الوقت. بدت سهام أكثر ثقةً مع تقدّم الوقت وخرجت ضحكتها إلى العلن، واضحة وواثقة وممتلئة. انسجمت بكلّ تفاصيلها. وهكذا انتقلت إلى عالم آخر، أغلقت عينيها ورفعت "غرّة" شعرها القصير لتزيد من انخراطها في المقطوعة الموسيقيّة، وتالياً حركة جسدها.
طارت سهام مصطفى في الحمراء. حملت جسدها وأسكنته الموسيقى وتركته يتفاعل على هواه. وهكذا تفاعل معها المارّة "الحضور". تركوا عيونهم تتمايل على هواها في إيقاع منسجم. تبعوا الجسد الساكن في الموسيقى، واستمتعوا.
لم يصفّق أحد خلال العرض. أصلاً الموقف لم يكن يحتمل هكذا نوع من التفاعل. كلّ المطلوب كان متابعة سهام "المحلّقة" بعيداً. كثيرون، عكفوا عن التصوير. أصرّوا على رؤية العرض مباشرة. لا يريدون أن تشغلهم شاشة الكترونية عن عرض حيّ، وسط الشارع وفي أجواء باردة.
خطوة سهام لم تلقَ ترحيباً جماعيّاً. انزعج البعض من "العجقة" التي أحدثتها. هؤلاء لا يريدون أي تجمّعات في الحمراء قد تعيق حركتهم. إحدى المارّات بزيّها الرياضي، انزعجت لأنّ سرعة خطواتها قلّت، بسبب الزحمة. كان من المقرّر خسارتها لـ200 كالوري . للأسف مع مرورها في هذا الوقت حرمها من تحقيق الرقم كاملاً. حسناً، سهام مصطفى عليها تحمّل مسؤولية عشرين كالوري. فلتجد حلاًّ سريعاً للشابّة.
فجائيّاً حطّ هذا العرض في الشارع. بمبادرة فرديّة من الراقصة سهام مصطفى وُلدت الفكرة. ترغب الشابة بأن تنقل المسرح إلى الشارع، إيماناً منها بأن كثيرين لا يمكنهم تحمّل تكاليف المسارح والعروض.. هذا عدا عن الرغبة بخلق أمر جميل يساهم بالألفة ويضفي أجواء ايجابية.
اختارت سهام الرقص الصوفي "المولويّ" لكثرة معانيه. ترى أن قدمه الثقافي جدير بالاهتمام، كما أنه يثير "حساسيّة" المارّة لأنهم اعتادوا على "رجل" في هذه المهمّة وليس امرأة. وتقديم هذا النوع محصور في المجالس المغلقة على الرغم من كونه فنّاً شعبياً.
سهام مصطفى هي المرأة الأولى التي رقصت "الرقص المولويّ". كما أنها الأولى التي أقدمت على خطوة كهذه، منفردة في الشارع. "دار المصوّر" دعم المشروع بعد معرفته بتفاصيل الفكرة. رافقها حتى النهاية، وهو ساهم بنجاح التجربة برأي مصطفى.
لن تكون خطوة سهام الأخيرة. ما زال مشروعها في بدايته، وهي اختارت البدء من الحمراء للمس نبض الشارع. أسعدها التجاوب الذي حصل، وشدّدت على ترحيبها بأي راقص أو راقصة يرغبون بمساندتها في مشروعها. حلمها نقل الفن للشارع، كي يتحرّر "الجسد" من الحصر والقيود التي تلفّه. فكل صوت يسمعه الجسد عليه أن يتمايل معه، ويترك له حريّة الانطلاق.
لم تكن تتوقّع توقف الناس للمشاهدة، فهي أصلاً لم تدع أحدا ولم تنشر التفاصيل. فقط "دار المصوّر" من دعت الناس للمرور يوم الجمعة في شارع الحمراء لـ"وجود نشاط ما". تقول سهام: "الناس جاءت بقبشة، واحتضان دار المصور الكامل ساهم بهذا النجاح". وفي ما خصّ بعض الأصوات المعترضة على قيامها بتشويه هذا النوع من الرقص، فضّلت عدم الدخول في هذه النقاشات فكلٌّ لديه رأيه، وهي راقصة "لا حدود عندها".
انتهى يوم الجمعة، ومع انتهائه بدأت سهام بالتحضير لـ"شيء" ما جديد ومفاجئ، متمنيّة أن تصل إلى اليوم الذي تمتلأ فيه الطرقات "رقصاً".

السابق
ملثّمو بلاك بلوك يقرعون طبول الحرب!
التالي
30 ألف $ في الحلقة الواحدة