المفترق السوري بين الغارة والحوار

الهدف او الاهداف التي طالها العدوان الاسرائيلي على سوريا فجر الاربعاء، بعد نحو عامين من بدء الثورة السورية، تفتتح الانتقال الاسرائيلي من مرحلة المراقبة والمتابعة الاستخبارية الى مرحلة "الهجوم الوقائي". هجوم استباقي توج سلسلة التحذيرات الاسرائيلية من انتقال المخزون السوري من الاسلحة الكيماوية المزعومة سواء الى ايدي "حزب الله" او المجموعات المسلحة.
فهل بدأت اسرائيل مرحلة التدخل المباشر في معادلة الصراع الاقليمي والدولي في سورية من نافذة السلاح غير التقليدي هذا؟ كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مهّد لهذا العدوان الاحد، بالقول خلال اجتماع مجلس الوزراء الاسرائيلي إن بلاده "تستعد لمواجهة كافة التطورات التي تحدث في سورية…". تمهيد اعقب تحريك اسرائيل نظام القبة الحديدة الدفاعي الى الشمال اي في اتجاه الحدود مع لبنان وسورية.
الخطوة الاسرائيلية هذه تنطوي على مجازفة اسرائيلية، خصوصا انها تأتي بعد تصريحات رسمية ايرانية قالت إنها ستتعامل "مع أي هجوم على سوريا على أنه هجوم على ايران". وبعد تصريحات من اعضاء في المجلس الوطني السوري المعارض قالت ان "الرئيس بشار الاسد قد يلجأ في خطوة يائسة الى فتح المواجهة مع اسرائيل". وهي بطبيعة الحال ليست في اطار تسجيل نقاط انتخابية في معركة انتخابية داخلية، بل هي خطوة خارج السياق الداخلي في اسرائيل، بعدما استعاد نتنياهو مجددأ رئاسة الحكومة. إذا هذه المجازفة الاسرائيلية تصل الى حدّ الاستعداد الجدي لحرب ليس مع "حزب الله" فحسب، بل مع سورية وايران ايضا.
الى هذا الحد يمكن توصيف الموقف الاسرائيلي اليوم. وبالتالي فإن المجازفة بهذا المعنى تنطوي اما على ان الهدف الذي طالته الطائرات الاسرائلية الاربعة يستحق المجازفة، وبسلاح الجو عبر اربع طائرات حربية، او ان اسرائيل تؤكد من خلال هذا العدوان انها تريد ان تكون جزءاً من الصراع في سورية ومن بوابة الاسلحة غير التقليدية التي ُتجمع الدول الكبرى، بما فيها روسيا، على رفض انتقالها الى "حزب الله" او المجموعات المسلحة. خصوصا ان موسكو كانت حريصة على تقديم ضمانات لواشنطن لجهة عدم انتقال هذا السلاح الى مجموعات عسكرية او دول اخرى. فيما اكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافاروف ان النظام السوري جمع الاسلحة غير التقليدية من مواقع عدة في مختلف انحاء البلاد وخزنها في موقع واحد بعيدا عن هجمات المعارضين.
تطور الاحداث هذا جعل من العامل الاسرائيلي عنصرا اضافيا. فهو الى كونه يظهر الاسد في موقع المستهدف من اسرائيل، حرص البيان العسكري الرسمي السوري على ابراز ان مركز جمركيا استهدف في الغارة كان مخصصا "لرفع مستوى المقاومة والدفاع الذاتي". وهو مارد عليه رئيس الائتلاف السوري المعارض احمد معاذ الخطيب بادانة سلوك النظام "لعدم رده على العدوان الاسرائيلي بطائراته بدل قصف المدنيين". كما اطلق رد فعل ايراني هذه المرة من المرشد السيد علي خامنئي الذي وصف "العدوان على سورية بأنه عدوان على ايران".
هذا التطور ترافق مع الاعلان عن لقاء رباعي سيعقد بين السيناتور الاميركي جو بايدن ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمبعوث الدولي الى سوريا الاخضر الإبراهيمي ورئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد معاذ الخطيب يوم السبت المقبل في ميونيخ. تطور جاء في اعقاب مواقف ليّنة للخطيب اتجاه الحوار مع ممثلي النظام. كل ذلك يكشف عن ان مسار الاحداث في سورية وتطورها على عتبة مرحلة انتقالية: مرحلة اختبار فرص التحول السلمي مع تهويل بمواجهات عسكرية اقليمية بدأت اسرائيل بطلقاتها الاولى من سورية.

السابق
خطة امنية لقمع تزوير وترويج العملات والمخدرات في الجنوب
التالي
مبادرة الحريري.. نظرة جديدة مع المحافظة على الثوابت