إستنزاف

يعيش لبنان منذ العام خمسة وسبعين حالة من الاستنزاف الاقتصادي وهجرة المتعلّمين وأصحاب الاختصاص وصولاً إلى عدم مبالاة بمضاعفة عبء الحياة الكريمة عن المواطنين ولا من يهتم بهذه النواحي لأن هدف النافذين على الساحة هو المصلحة الذاتية والتطلع إلى الكسب بأي من الأساليب والإفادة من الموقع السياسي ومن يحيطون به من المنتفعين غير الخاضعين للمحاسبة كونهم يملكون القدرة على تجنبها وحتى السؤال من أين لك هذا.
ويبرز في هذا السياق الخلاف الحاد على أي قانون انتخابات سيتم الاجماع مع استحالة إنجازه في جو يتيح المزايدة ليس للأخذ بما يعزز التوحد والانصهار في بوتقة وطنية واحدة بل لمن يملك ناصية القرار السياسي حتى ولو أدى إلى تغيير الواقع الديمغرافي وما يعتز به لبنان من شعار العيش المشترك والالتزام بمضمون اتفاق الطائف، إضافة إلى الأكثر جاذبية للسياسيين اللاعبين على الساحة وفق أهوائهم وهو التسلق إلى قمة الحكم مهما تكن النتائج وتراكم المشاكل الاجتماعية وشكاوى الناس المرتفعة بأصوات عالية لا تلقى التجاوب لأن الكل مشغول بما يحققه من كسب معنوي ومادي.
ولا يشير هذا الخلاف الحاد إلى أي قانون انتخابات سيعتمد ما دام كل طرف يسعى إلى جعله على قياسه ولو بالتوهم أو الاعتقاد غير المستند إلى حقيقة يمكن الأخذ بها، ومن هنا توحي الأجواء السائدة بعدم الوصول إلى توافق حيث بدأ ترداد إرجاء الانتخابات مهما تكن النتائج مع أن جهات عربية ودولية تجهد لإجرائها في موعدها حرصاً على استقرار لبنان وتحصينه ضد رياح تهب عليه في ظرف يفرض الالتزام بمصلحة الوطن وأبنائه والبعد بهم عن محاذير قد لا يستطيعون تلافيها.
والداعي إلى التنبّه والحذر أكثر ارتدادات سلبية وخطرة مبعثها ما تمر به المنطقة خصوصاً دول الربيع العربي الذي أدى إلى التفاؤل بمستقبل مسروق باعتماد الديمقراطية والتخلص من تركة من اعتبروا وجودهم دائماً وكانت النتيجة ثورات تتكرر لأن الذي يأتي لا يملك الخبرة الكافية ولا خطة النهوض والتغيير الواجب اعتمادها، وقد ارتفعت أصوات عالية من خبراء اقتصاد وعلماء اجتماع تتوقع الانهيار الاقتصادي وزيادة الفقر الذي يدفع إلى الغضب نشداناً لحياة حرة كريمة.
ولأن لبنان يعيش في مهب العواصف الإقليمية والدولية فإن على ساسته والنافذين على ساحته الاقلاع عن الخلافات العقيمة واعتماد مصلحة البلد وأهله وتحصينه ضد تهديدات ومناورات واختراق الطيران الاسرائيلي مجاله الجوي مع زيادة الطمع في ثروته النفطية الموعودة، وفي حال استمر هذا الاستنزاف فإن الكل سيعاني.

السابق
تقسيم سورية: هدف يجمع إيران وإسرائيل
التالي
طبائع الشر..