مواقف الأسد والورقة الروسية

مصادر دبلوماسية عربية متابعة لمسار الوضع السياسي والدبلوماسي الدولي والإقليمي للأزمة في سورية تؤكد وجود ملامح وتغييرات، ولو بصورة بطيئة تتم على صعيد المعالجات السياسية ومن تحت الطاولة، تصب في إطار عمل سياسي ينطلق في جوهره من مقررات مؤتمر جنيف، وضرورة الاتفاق على المرحلة التنفيذية، وإن كانت هذه المرحلة ما زالت ضبابية، وهذا ما تسعى القيادة الروسية إلى ترسيخه وجعل مجلس الأمن الدولي يتبناه لكي يكون المفتاح الجدي للعبور إلى الحل السياسي في سورية.
وترى هذه المصادر أن ا لرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير لم يطرح مبادرة بل أفكاراً ورؤى لاقت ارتياحاً من روسيا والصين وإيران ومجموعة دول «البريكس» ودول أخرى في العالم، لأن منطلق هذه الأفكار يقوم على ما توصّلت إليه مجموعة العمل والتواصل في جنيف، بل إن المصادر الدبلوماسية ذهبت في هذا المجال إلى أبعد من ذلك، عندما تحدثت عن تنسيق مستمر ويومي بين القيادتين الروسية والسورية، وأن الأفكار التي طرحها الرئيس الأسد جاءت ثمرة هذا التواصل والتشاور بين البلدين.
وتضيف المصادر الدبلوماسية، أن ما قاله وزير الخارجية السوري وليد المعلم حول شرحه للأفكار التي أطلقها الرئيس الأسد، كان مهماً للغاية لناحية أن مضمون وجوهر الأفكار المطروحة هو الفهم السوري لما جاء في مؤتمر جنيف، بمعنى أنه وضع السقف والفهم الحقيقي لمقررات جنيف، والتي أكد على ضرورة تطبيقها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من دون أي تحريف. كما أن الوزير المعلم وفي سياق توضيحه وشرحه للرؤى التي طرحها الرئيس الأسد، أشار إلى أن المعارضة الداخلية والخارجية مدعّوة إلى الحوار ومن يضع شروطاً مسبقة يعني أنه لا يريد الحوار والحل السياسي، وأن الدولة السورية ستواجه الأعمال الإرهابية بكل أشكالها، بالإضافة إلى أن الدول التي تدعم المجموعات الإرهابية بالمال والسلاح والمقاتلين، هي في الوقت نفسه تعمل ظاهرياً وتوحي بأنها تريد الحل السياسي وهذا الأمر أصبح مكشوفاً.
واعتبرت المصادر الدبلوماسية، أن القيادة الروسية تعتمد على الأفكار التي أعلنها الرئيس الأسد، وهي ورقة قوية بيد روسيا «لشركائها» الأوروبيين والأميركيين، أنه وكما قدّم الرئيس الأسد أفكاراً وحلولاً واضحة وواقعية من واجب المعارضة أن تقدّم أفكارها أيضاً، ولكن يبدو أن لا رؤية سياسية واضحة لديها أو خطة تستطيع من خلالها الدخول في حوار مع الدولة السورية، وكما قال لافروف منذ أيام فإن المعارضة ترفض أي حوار ولا تريد إلا إسقاط النظام والرئيس الأسد وهذا الأمر غير قابل للتحقيق.
وكشفت المصادر الدبلوماسية عن أن الغرب ومعه بعض حلفائه في المنطقة من عرب وأتراك يعيشون حالة إرباك حقيقية، فصمود الجيش السوري أربكهم كثيراً، وتطوع عشرات الآلاف من شباب مدينة حلب للقتال إلى جانب الجيش النظامي أحرجهم أكثر، وذلك تأكيداً على تمسّك الغالبية الشعبية في سورية بدولتهم. أضف إلى ذلك تراجع البيئة الحاضنة للإرهابيين، فعلى الرغم من الضغوطات وعمليات التخريب للاقتصاد والبنى التحتية لم يحبط الشعب السوري، وهذا أيضاً شكل عامل إرباك للقوى والجهات المتورطة في الحرب على سورية.
وأشارت المصادر باهتمام إلى اعتراف وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بأن العرب هم في مأزق وعلى مجلس الأمن الدولي تحمل مسؤولياته حيال ما يحصل في سورية، معتبرة أن كلام الفيصل هذا هو بمثابة خطوة أولية إلى الوراء ويأتي في سياق ما تم تسريبه من معلومات حول التباين الواضح في الموقف من سورية بين بعض المسؤولين في المملكة العربية السعودية.
وفي هذا الإطار، تشير معلومات المصادر إلى أن ملك الأردن بدأ يلعب دوراً إيجابياً على صعيد ما يجري في سورية، من زاوية ما هو مرتبط بخوف وقلق أردني حقيقي على مصير النظام فيه، نتيجة الدعم الذي تتلقاه الجماعات الإسلامية وعلى وجه الخصوص جماعة الإخوان المسلمين من بعض الدول الخليجية، بحيث أصبح الجامع والقاسم المشترك بين كل من سورية والأردن والسعودية هو العداء للإخوان المسلمين الذين يشكلون خطراً ليس على النظام الأردني فحسب بل على جميع الأنظمة في الدول العربية. وتشكل الخلايا التي تم إلقاء القبض عليها في دولة الإمارات العربية المتحدة الدليل الواضح على خطورة هذا التنظيم المدعوم أميركياً وتركياً ومن بعض دول الخليج خصوصاً دولة قطر.
وتقول المعلومات، إن الأردن يلعب دوراً إيجابياً على هذا الصعيد إلى درجة أن لقاءً هاماً حصل منذ حوالى أسبوعين بين مسؤول أمني سوري كبير وشخصية سعودية مقربة من الملك عبدالله، لمناقشة مسار الوضع في سورية، مع العلم أن المسؤولين في المملكة العربية السعودية يعلمون أن أجهزة الأمن السورية والجيش السوري نجحوا في اعتقال عشرات المسلحين من الجنسية السعودية من تنظيم القاعدة، ويريدون معرفة ما يتم التخطيط له داخل السعودية.
وتضيف المعلومات أن الأردن أبلغ القيادة السعودية أنه في حال استمرت بعض دول الخليج بتقديم الدعم للجماعات الإسلامية في الأردن، فإنه سيكون مجبراً على سحب وحدات من جيشه المنتشرة على الحدود الأردنية ـ السعودية ونقلها إلى الحدود السورية لمنع تهريب السلاح والمقاتلين إلى داخل سورية، وأن تبقى الحدود مع السعودية مفتوحة أمام المجموعات الإرهابية، ويبدو أن هذه المعطيات ستساهم في إعادة ترتيب الأوضاع ومراجعة موضوعية لموقف المملكة العربية السعودية مما يجري في سورية.

السابق
“فاين” للتغريد بالفيديو
التالي
مقتل جندي في عملية انتحارية قرب مقر رئاسة الوزراء الصومالية