قبل أن نندم مُجدداً

لا يعرف المسيحيون في لبنان أن يتفقوا ويتّحدوا، ولا يعرفون غالباً ماذا يريدون، واذا عرفوا، لا يجيدون وضع استراتيجية لتحقيقه، واذا وضعوا استراتيجية، سرعان ما ينحرفون عنها ويدفعون الثمن غالياً.

نحن اليوم امام عاصفة قانون انتخابي يريده جميع المسيحيين منصفاً لتمثيلهم لكنهم لا يتفقون على تحديد المشروع الذي يحقق فعلا "المناصفة الحقيقية" قبل ان يقعوا في المحظور ويندموا كالعادة.

إذا سلّمنا أن "المشروع الارثوذكسي" لم يطوَ، فماذا يضيف الى المسيحيين، مثلاً، انتخاب نائب مسيحي على لائحة "التيار الوطني الحر"، بدلا من انتخابه على لائحة حليفه "حزب الله"؟ وماذا يفيد زياد اسود مثلا المسيحيين ، وما افضليته على اميل رحمه؟ وهل تتحقق مصلحة المسيحيين فقط اذا اضاف كل من العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، وهذا من حقهما، اعداداً اضافية الى كتلتيهما؟

أليست مصلحة المسيحيين استراتيجياً من مصلحة لبنان والحفاظ على هويته وسيادته وحرية ابنائه وقيام الدولة وتعزيزها؟ وبالتالي إن أي مقاربة لقانون الانتخاب يجب أن تنطلق من هذه القناعة، وليس من حسابات ظرفية وطموح شخصي بزيادة حصةٍ او تمهيد طريقٍ الى كرسي الرئاسة.

وخير شاهد، ان معركة استعادة السيادة اللبنانية من الوصاية السورية عام 2005 هي التي اخرجت الدكتور جعجع من السجن واعادته الى الحرية وجعلته شريكاً اساسياً لـ "تيار المستقبل"، وهي التي أعادت العماد عون من المنفى، وهي التي أسّست لتجمّع قوى 14 آذار، وليس انتخاب كل مذهب مسيحي نوابه، ولا كل مسلم ممثليه في الندوة البرلمانية. فماذا في حسابات كل من عون وجعجع اليوم؟

وافتراضاً، إذا انتخب المسيحيون كل نوابهم، وسقط لبنان رهينة او ملحقاً في مشاريع ومحاولات الهيمنة عليه وعلى المنطقة، فما الفائدة لهم خصوصاً بعدما تراجع دورهم وانحسر نفوذهم بسبب تقاتلهم بعضهم مع بعض من جهة، ونتيجة الهيمنة المطلقة للوصاية السورية التي دفّعتهم أثماناً باهظة على جميع الصعد؟ وما هي الخيارات المتاحة أمامهم عندئذٍ ؟

ليس قانون الانتخاب وحده من يؤمّن مصلحة المسيحيين ويضمن حقوقهم ومستقبلهم في زمن النزاع السنّي – الشيعي الضاري في المنطقة والذي يتوقع ان يستمر طويلاً. وليس قانون الانتخاب وحده من يحمي الوجود المسيحي من مصير أسود كما حصل ويحصل من تكفير وقتل وتهجير للمسيحيين في حروب لا علاقة لهم فيها في العراق وسوريا وغيرهما.

ان مشروع بناء الدولة وسيادتها وعدالتها، ومكافحة الفساد والتطرّف وتجنب الانزلاق الى مشاريع وأجندات اقليمية، هي التي تخدم المسيحيين وتحفظ حقوقهم وتضمن مستقبلهم بعيداً من حسابات الربح والخسارة الحزبية والشخصية والمغامرات في زمن الحروب والنزاعات.

الا ان هذا لا يعني في أي حال من الاحوال، ان يسلّم المسيحيون بما وصلوا اليه اليوم من أمر واقع، بل من حقهم أن يطمحوا ويناضلوا لدور رائد ولكن تحت سقف الثوابت الوطنية التي طالما تمسكوا بها، والحفاظ على التحالف مع القوى السيادية المؤمنة بهذا الوطن.

السابق
فنانو سوريا مهدّدون بالقتل
التالي
حوري: البعض من حلفائنا وقعوا في فخ القانون الأرثوذكسي