السعودية.. إشارات وملفات ساخنة


عادت المملكة العربية السعودية للعب دورها الذي طالما اضطلعت به على الساحة اللبنانية بعد غياب عمره من عمر الأزمة في سورية تقريباً، ذلك أن انتظارها لنتائج حاسمة من هناك طال كثيراً في حين لم يعد جائزاً التاخير في العودة الى ممارسة ذلك الدور على أبواب استحقاقات داهمة إضافة الى بدء مرحلة ظهور الإنعكاسات السلبية والإيجابية للحرب الدائرة المفتوحة في سورية.
إشارات سعودية عديدة برزت في الآونة الأخيرة لعل أولها فتح الباب واسعاً أمام رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي واستقباله بعدما كان قرار الرياض» إعطاء مهلة كافية للأخير من أجل التموضع» لا سيما أنه أتى الى موقعه بـ»غصة» سعودية تسبب بها اقتلاع رجلها الأول في لبنان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من موقعه في واقعة شكلت انقلاباً سياسياً ابيض في لبنان وكان لها تأثيراتها المباشرة على المسار السياسي العام على المستوى الداخلي، من خلال الدور الذي كانت تضطلع به حكومة الحريري في العديد من الملفات في إطار «الحرب الإقليمية الناعمة» بين الرياض وحلفائها من جهة، وطهران ودمشق وحلفائهما من جهة ثانية.

أما على المستوى الخارجي فقد جاء التغيير الحكومي في لبنان في خضم الحرب التي شنت على الدولة في سورية ورئيسها، ما أفقد السعودية وحلفاءها القدرة على إدارة معركتهم ضد الرئيس بشار الأسد من لبنان، في حين «سهّل» ميقاتي ولو بشكل غير مقصود هذه الحرب من خلال نظرياته عن «النأي بالنفس» التي أبقت على خيارات هذا الحلف العربي – الغربي في استخدام لبنان كمنصة لضرب سورية من خلال فتح قنوات الدعم بالمال والسلاح عبر حزب المستقبل والتيارات الإسلامية المتشددة، إضافة الى استخدام سلطاته في تأمين الحماية لهؤلاء كما حصل مع المدعو شادي المولوي الذي حظي بحماية رئيس الحكومة شخصياً تحت شعار منع الفتنة في البلاد.

لكن استقبال السعودية لميقاتي لم يكن لمكافأته على ما قدم في هذا المجال، بل لاستطلاع أفق الإستحقاق الإنتخابي المقبل في ظل استفحال الخلاف الداخلي على قانون الإنتخاب وموقع ميقاتي فيه، كما لمعرفة موقفه من المعركة الإنتخابية المرتقبة والتي تبدو من الآن حامية «الوطيس» بفعل المواقف المعلنة ومدى ارتباطها بما يجري في المنطقة وتحديداً بالأزمة في سورية. من هنا فإن السعوديين الذين وعدوا فريقهم السياسي في لبنان بتأمين مستلزمات تلك المعركة مادياً وبأرقام عالية يحاولون استشراف النتائج قبل الدفع وما
إذا كان بالإمكان رسم خارطة واضحة للتحالفات الإنتخابية قبل ذلك والجمع بين الحريري وما يمثل، وما يمون عليه من ميقاتي في موقعه الوسطي الذي يدعيه، خاصة بعد رسم افق التحالف بينه وبين رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الذي كان أول من أعلن انضمامه لـ»حزب الوسطية الميقاتي» ليوسع بذلك جبهته.
جنبلاط الذي سلّف ميقاتي بإعلانه الإنحياز له، يسعى الى حصد الثمن باكراً عبر تشكيل جبهة عريضة مدعومة إقليمياً بعدما فقد حليفه القوي سعد الحريري ما أدى الى إقفال السعودية بابها في وجهه، في حين لم ينل من حليفيه القديمين، حركة امل وحزب الله ما يسد رمقه حتى الساعة، وسط تجاذب هو محوره بين فرقاء الإنتخابات السياسيين كافة، كما لم تؤت زياراته الخارجية الى كل من روسيا وفرنسا أي ثمار في ظل الإنقسام الحاد حول الأزمة في سورية وطريقة الحل المرتقبة لها.

ما تريده المملكة السعودية من إطلالتها الجديدة على لبنان عبر ميقاتي هو تحقيق الفوز بالإنتخابات ومعرفة ما إذا كان هذا الأخير قادرا على تأمينه لها مقابل الإعتراف الكامل به كشريك اساسي، واستبداله عوضا عن شريكها السابق الذي فقدت الأمل بإمكانية عودته الى ممارسة نشاطه السياسي عبر حزبه (المستقبل) بعد فضائح التدخل في الأزمة السورية التي بات من الصعب تغطيتها أو تجاوزها لأنها قد تدخل مساراً قضائياً في غير مصلحته من جهة، كما أنها قد تشكل عائقاً أمام دور أكبر بدأته السعودية على صعيد حل تلك الأزمة من جهة ثانية .
لكن الإشارات السعودية على العودة الى ممارسة الدور في الملفات الساخنة، سرعان ما تطورت الى مواقف تمثلت بإعلان وزير خارجيتها سعود الفيصل عن الفشل العربي في حسم الوضع في سورية «ولا نعرف ماذا يجب علينا أن نفعل»، والإعتراف بأن تلك الأزمة وضعت المملكة والعرب والعالم أمام مأزق فعلي..

فما يقودنا اليه هذا الكلام هو الخضوع للأمر الواقع وإدراك أن الحل السياسي الذي بات العالم بأسره يطالب به ويوافق عليه، يجب أن يسلك طريقه الى التطبيق مع بعض «التنازلات» حيث أن استمرار الأوضاع على ما هي عليه في سورية صارت على قاب قوسين أو أدنى من رمي اثقالها الى خارج الحدود بعد تزايد عدد النازحين السوريين الى دول الجوار، ناهيك عن الذين تغص بهم السفارات الأجنبية فيها بهدف الهجرة، في وقت ليست هناك إستعدادات كافية لمواجهة هذه الحالة، إضافة الى معطى أساسي تمثل بالتقارير التي تحدثت عن تحقيق الجيش السوري تقدما كبيرا على جبهات القتال في الداخل والذي عكسه خروج الأسد من قصره الى الشارع مرتين خلال أقل من شهر.

لا يمكن أن تنبري السعودية الى الإعتراف بـ»الفشل» والعجز إلا إذا كان ذلك مقدمة لإطلاق مبادرة جديدة «قابلة للحياة»، وهو ما تؤكد عليه مصادر سياسية عليمة إذ كشفت أن المملكة تولت اتصالات منذ فترة غير قصيرة مع غير طرف إقليمي ودولي بهدف وضع «أفق محدد» للأزمة في سورية، مبدية ليونة ملحوظة حيال أصعب الشروط المفروضة وهي تنحي الرئيس السوري، مشيرة الى أن تلك الإتصالات بوشرت مع مسؤولين سوريين في إطار اجتماعات سرية قالت بعض المصادر أنها تجري في العاصمة الأردنية عمان التي باتت مقصداً لبعض المسؤولين الإيرانيين أيضا .

السابق
خاتم من الذهب مرصّع بجلد
التالي
إطلاق حملة تنظيف في حيّ السلّم