نساء سوريات في مقدّمة الثورة

عندما بدأت الثورة السورية قبل سنتين تقريباً، شاركت النساء في التظاهرات السلمية ضد نظام بشار الأسد، جنباً إلى جنب الرجال. لكن مع تحوّل الصراع الى صراع دموي، حيث تقوم قوات النظام بقصف البلدات وقتل المدنيين واستخدام الاغتصاب كأحد الأسلحة، وانبراء بعض مجموعات الثوار للقتال، بدأ الرجال بالسيطرة. واليوم يعتقد العديدون أن الثورة تصبح مسلّحة أكثر فأكثر، وإسلامية الطابع يوماً بعد يوم، وأنّ النساء لا يلعبن دوراً ذات أهمية في القتال. غير أنّ ثمة بعض الميادين التي ينشط فيها النساء، ويلعبن دوراً ضرورياً في الحفاظ على قوّة الثورة.

نزلت مئات النسوة الى شوارع بانياس في أوائل أيام الثورة، للمطالبة بإطلاق سراح آلاف الرجال الذين قامت قوات الأمن الموالية للنظام بجمعهم "بطريقة مذلّة". وأخبرت الناشطة ناديا منصور موقع "NOW" أنّ النساء في تلك الفترة قدنَ العديد من الحركات السلمية. ولكن مع تزايد العنف، انخفضت النشاطات السلمية، وتضاءل معها دور النساء.

"بالإضافة الى العنف، ساهمت أسلمة الحركة تدريجياً بالحد من مشاركة النساء. ففي بعض المناطق تمّ إجبار النساء على الانفصال عن الرجال خلال المظاهرات وعلى ارتداء الحجاب"، قالت منصور.
بدورها توافق سهير الأتاسي، نائبة رئيس الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، على أنّ النساء لم يعدن متواجدات في الخطوط الأمامية، لكنّها تشدّد على أنهنّ يلعبن أدوراً مهمة في المستشفيات ومراكز الإعلام، وينظمن طرق إنعاش إنسانية للمهجرين.

"أعتقد أنّ تعريفنا للمعارك بحاجة للتوسيع قليلاً هنا"، تقول الطالبة والناشطة السورية سارا أجلياكن، المستقرة حالياً في البرازيل. وتضيف: "أليست المرأة- الطبيبة التي تحمل مستشفى كاملاً في حقيبة وتقفز من مبنى الى آخر لمساعدة جندي ما على البقاء على قيد الحياة عبر عملية تُجرى له على جانب الطريق، كل ذلك وهي مهدّدة على طول الطريق برصاص قناص ما – أليست تخوض معركة هي أيضاً؟ بلى، ولقد رأينا العديد من النساء يقمن بهذا الدور".

أما بالنسبة لأسلمة الثورة وإعطائها بعداً متطرّفاً، تحمّل الأتاسي مسؤولية ذلك الى المجتمع الدولي. ففي مقابلة لها مع قناة "العربية" الفضائية في أواخر السنة الماضية، شرحت كيف تم التخلّي عن الشعب السوري، وأنّه بدأ بحمل السلاح للدفاع عن نفسه ضد الارتكابات الوحشية لنظام الأسد. "لقد التقيتُ سلفيين وأعضاء من جبهة النصرة، ولم أجبر على ارتداء الحجاب، وصدقاً لم أتعرّض لتمييز ضدي بسبب ذلك"، قالت.

غير أنّ تمثيل النساء داخل مجالس المعارضة الرسمية لا يزال ضئيلاً. المتحدثة باسم لجان التنسيق المحلية (بالإنكليزية) رفيف جويجاتي، التي كتبت في الماضي لموقع "NOW"، تعزو ذلك جزئياً الى كون وسطاء السلطة في هذه المنظمات هم ما تبقى من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين "غير الميّالين الى معاملة النساء معاملة نديّة". وتضيف عاملاً آخر هو "الاستحواذ النموذجي على السلطة [من قبل الرجال] غير المقتصر على أوساط سورية أو شرق أوسطية بل يشكّل مشكلة عالمية للنساء".

وتضيف جويجاتي أنّ النساء السوريات يقاتلن للتغلّب على الشوفينية وكُره النساء بشكل أكبر اليوم من الوقت الذي سبق قيام الثورة. وهي تعتقد أن خوف النساء من احتمال أن يتعرّضن للتهميش الكامل، هو الذي دفعهنّ للتعبير أكثر عن أرائهنّ والتحرّك. وهنّ يشكّلن منظمات، ويسعين الى الحصول على تدريب ويزدن من مشاركتهنّ في المظاهرات.

وجرى اعتقال عدد كبير من النساء بسبب نشاطهن، ومن بينهن ريما دالي، التي اعتُقلت مع ثلاث نساء شكّلن جزءًا من حملة "عرائس السلام- أوقفوا القتل". وكذلك رزان زيتونه، محامية حقوق الإنسان التي تكتب لـ"NOW"، اعتُقلت هي الأخرى. وقامت بتشكيل شبكة معارضة، مع محامين وناشطين آخرين، لنشر أخبار ما يحدث في سوريا. وهي اليوم مختبئة، بعد اتهام النظام لها بأنّها عميلة للخارج.

بالإضافة الى ذلك، يتزايد يوماً بعد يوم الإعلان عن دور النساء مع كشف الناشطات أكثر فأكثر لأمثلة تدلّ على أعمال تعذيب جنسية الطابع. "بسبب الطبيعة المرعبة لهذه الجرائم، بدأت النظرة الاجتماعية للاغتصاب في سوريا بالتغيّر. إذ لم يعد الاغتصاب مرتبطاً بشرف المرأة، بل بات يُنظر إليه أكثر فأكثر على أنّه شكل من أشكال التعذيب"، تقول جويجاتي.

فضلاً عن ذلك، ثمة الكثير من جنود "الجيش السوري الحر" من العنصر النسائي، بعضهنّ عدن الى سوريا من الخارج للقتال. "يشكّل الجنود [من النساء] جزءًا من لواء "الجيش السوري الحر" الخاص بالنساء، ومن بينهنّ تم اكتشاف امرأة سورية- فلسطينية تتمتّع بقدرات ممتازة على القنص"، تقول جويجاتي.

"أعتقد أنّ المعركة لا تُخاض فقط حسب الأسلوب "العسكري" التقليدي، ولكنّها تُخاض على نطاق أوسع بكثير في سوريا، لا سيّما عندما يكون خطر الموت جراء اعتداءات النظام في كل مكان"، تقول أجلياكن. وتضيف: "المرأة جندية، سواء على جبهة القتال، أو في المدارس، أو في الملاجئ، أو في مخيّم اللاجئين، أو في المستشفيات المتنقلّة في كافة انحاء سوريا".

لا تأمل النساء السوريات في إسقاط النظام فحسب، بل كذلك في ضمان حماية حقوق النساء في أية حكومة ستُشّكل. ورغم أنّ السوريين معتادون رؤية محاميات، وطبيبات، وقضاة من العنصر النسائي، تقول السوريات إنّ القوانين التي ترعى الزواج، وإجازة الأمومة، والطلاق، تحتاج الى الإصلاح لتكون أكثر عدلاً. وتشرح جويجاتي، التي تعمل أيضاً مديرة "مؤسسة إستعادة المساواة والتعليم" في سوريا، أنهنّ يعملن من أجل تحقيق المساواة في التمثيل والمشاركة التامة في العملية السياسية، والمشاركة على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والصناعية.

وتهدف منظمة النساء السوريات المؤلّفة حديثاً، التي تقوم بتنسيق مؤتمر في السويد برعاية مشتركة مع مركز "أولف بالمة" الدولي في ستوكهولم في شباط المقبل، إلى ضمان حصول النساء على تمثيل متساوٍ على كافة مستويات المجتمع.

تشرح منصور أنّ ناشطات من أجل السلام يعملن اليوم من أجل اكتساب المزيد من الفهم للعملية الديمقراطية، وللعدالة والمواطنية الفعّالة بحيث يمكنهنّ لعب دور في حل المشاكل التي تولد اليوم في ظل العنف المفرط. وتقول "من خلال الانتظام ضمن جماعة مجتمع مدني، نسعى الى تحدّي المنتقدين الذين قالوا إنّ الثورة يسيطر عليها إسلاميون محافظون وأنّها طائفية من حيث طبيعتها".

السابق
الحرب في مالي وديناميكياتها العربية
التالي
موسوي وزوجته “ممنوعان من لقاء أبنائهما”