فضل الله حذر من الفتنة: للخروج من حسابات الطائفية الى حسابات الوطن

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته السياسية:

"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله؛ "فمن أحب أن يكون أعز الناس فليتق الله"، كما قال رسول الله..ومن التقوى أن نثبت دعائم الوحدة في حياتنا؛ فلم يردها الله خيارا يمكننا التنازل عنه.. بل هي فريضة وواجب. وهو الذي قال في كتابه العزيز: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}، {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}".

أضاف: "الوحدة أيها الأحبة لمن يخاف الوحدة، لا تعني أن يتنازل الإنسان عن خصوصيته وانتمائه، الوحدة تعني أن نؤكد نقاط اللقاء، ونتحاور في مواقع الاختلاف، ونقف سويا متراصين متكاتفين أمام من يواجهنا في مواقع وحدتنا"، معتبرا انه "من المعيب أيها الأحبة، أن تكون أمة رسول الله، الأمة التي عمل رسول الله لتكون خير أمة أخرجت للناس، وأن تكون الأمة الشاهدة والقائدة، تعاني من التفرق والاختلاف وصولا إلى التحاقد والتكفير وحتى التقاتل، بحيث باتت لا تخشى العدو الخارجي الذي يتربص بها ليلا نهارا، بقدر ما تخاف من فتنة داخلية بين مذاهبها أو داخل كل مذهب. أمة صارت لا تلبس ثياب السواد لأجل شهداء سقطوا في مواجهة العدو المشترك؛ العدو الصهيوني، أو دفاعا عن أرضهم، وإنما من تفجير انتحاري هنا في مسجد وآخر في حسينية.. أمة قلبت القاعدة القرآنية {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}، بحيث صارت أشداء بينهم رحماء على الكفار".

واكد فضل الله "ان المسؤولية في إيقاف نزيف الدم وتحقيق الوحدة، تقع على عاتق الجميع، فالكل معني بالوحدة، لكن المسؤولية تقع أكثر على عاتق صنفين من الناس أشار إليهما رسول الله عندما قال: "صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت الأمة وإذا فسدا فسدت الأمة: الفقهاء والأمراء". فنحن بحاجة إلى أمراء لا يسخرون الدين لحساب مصالحهم السياسية، وإلى علماء يرفعون الصوت عاليا في وجه كل العاملين للتنازع والتحاقد والاقتتال، وفي وجه التكفيريين والإلغائيين والإقصائيين".

أضاف: "لذلك نقول: حذار حذار من اللاعبين بالفتنة في الساحة الإسلامية، حذار حذار من اللاعبين بالفتنة في ساحتنا الداخلية.. إن جميع الحريصين على واقع هذه الأمة ومستقبلها والقضايا الكبرى، ولا سيما مقاومة العدو الصهيوني والحفاظ على قوتها ومنعتها، مدعوون لأن يقفوا في وجه كل صوت يريد أن يعيدنا إلى أجواء أربكت ساحتنا ومزقت صفوفنا".

وتابع: "لقد قلنا ونقول إننا مع كل حوار علمي وموضوعي، ولكنا لسنا مع كم الأفواه ومصادرة الرأي الآخر، وإلصاق عناوين الضلال بكل من يختلف معه..إننا بحاجة في هذه المرحلة إلى استعادة الوحدة لكي نواجه التحديات الكبرى التي تنتظرنا، تحدي الكفر والانحراف والفساد والكيان الصهيوني، حيث انشغل العالم خلال الأيام الماضية بالانتخابات التي جرت في الكيان الصهيوني ونتائجها، وراح البعض يمني نفسه بتغيير داخل كيان العدو ستفرزه هذه الانتخابات، وأن الكيان الصهيوني سيكون في المرحلة اللاحقة أكثر اعتدالا، وأقل تطرفا، ونحن كنا نؤكد دائما أن هذا الكيان بطبيعته العدوانية إزاء العالم العربي والإسلامي، سيبقى هو نفسه لا يتغير، سواء كان الذي يحكمه يمينا أو وسطا أو يسارا، فقد وجد هذا الكيان ليثبت احتلاله لفلسطين، وليكون له موقع القوة والسطوة على المنطقة، ولن يغير هذه السياسة فهي أساس وجوده في هذه الأرض".

وأكد "ان خيارنا مع هذا العدو سيكون بالاستعداد لمواجهة استكباره وعدوانه، فلا ينبغي أن نشعر في وقت من الأوقات بالاستكانة لعدو غادر ينتظر الفرصة السانحة للانقضاض على فريسته. لذلك، نقول لكل الذين يتحدثون عن عدم جدوى قوى المقاومة: لا تدفنوا رؤوسكم في الرمال لتقولوا لا خطر من وجود هذا العدو، وبإمكاننا أن نحمي أنفسنا منه.. بل تذكروا دائما التاريخ العدواني لهذا الكيان، وأن اللغة التي يفهمها هي لغة القوة والمقاومة".

وقال: "في هذا الجو، استبشر الكثيرون بخطاب الرئيس الأمريكي، وهو يتحدث عن أن عقدا "من الحرب أشرف على نهايته"، وأن أمريكا لن تخوض الحروب في أي مكان، اعتقادا منهم بأن أميركا قد غيرت سياستها وستنكفئ إلى الداخل، ولكننا نعتقد بأن هذا الأمر ليس واقعيا، ولا ينبغي أن ينطلي على أذهان الواعين. ستبقى أمريكا تعمل للإطباق على المنطقة وتعزيز سيطرتها على بلادنا، فهي لن تفرغ قواعدها ولن تتخلى عن نفوذها، وجل ما ستفعله هو أنها ستغير تكتيكها. قد لا تبادر إلى الحرب المباشرة، ولكنها ستحارب من بعيد بأدوات أخرى. قد لا تشن حربا عسكرية، ولكنها ستشن حروبا باتت أشد ضراوة، كحروب التجويع، ونهب مقدرات الشعوب وإمكاناتها، وتوكيل حلفائها الإقليميين بتنفيذ سياساتها، تجنبا لتورطها مباشرة وتكبدها خسائر إضافية، وخصوصا بعد الإهانات التي تعرضت لها في منطقتنا العربية والإسلامية عندما وقف المجاهدون في وجه احتلالها وغطرستها، حتى باتت تخشى من أن ينزل جنودها إلى الأرض. نعم، ستغير أمريكا أساليبها، ولكنها سوف تبقى مشكلة العالم الأساسية، ما دامت تحمل عقلية استكبارية، عقلية لا تحترم خيارات الشعوب وثرواتهم وأمنهم وسياساتهم، وتريدهم أن يكونوا بقرة حلوب لمصالحها".

وتابع: "أما العراق، فإنه لا يزال يعاني من تنامي التفجيرات التي تستهدف استقراره، في الوقت الذي تستمر الأزمة السياسية التي تأخذ طابعا مذهبيا وطائفيا. ومن هنا، فإننا نعيد التأكيد على مكونات الشعب العراقي بضرورة التواصل والحوار، حرصا على استقرار بلدهم وعدم ربط مصيره بما يجري في المنطقة، ومنعا من المصطادين في الماء العكر، فلا ينخدعوا بكل الأماني المعسولة من هنا وهناك، فخيار العراقيين لا يتحقق إلا بالوحدة والتماسك".

وعن الشأن السوري، قال: "ما زلنا نرى الحوار هو السبيل الأسلم لحل الأزمة في سوريا، متمنين أن تصب كل اللقاءات التي تحصل في هذا الاتجاه، بدلا من صب الزيت على النار، وخصوصا أن الجميع بات يشعر بأن الطريق أمامه مسدودة، وأن الحسم غير وارد من هنا وهناك، وإنها ستستغرق سنوات طويلة. إننا ندعو كل الأطراف في سوريا إلى اتخاذ قرار شجاع بالبدء بالحوار سعيا لتحقيق أماني الشعب السوري في الإصلاح، وبقاء سوريا موقعا للقوة بدلا من أن يغرق في كل التجاذبات الدولية التي تجعل هذا البلد رهينة مصالح الدول الكبرى والمصالح الإقليمية".

اضاف: "وعندما نطل على البحرين، فإننا نرحب بالدعوات الأخيرة إلى الحوار، ولا سيما تلك التي أطلقها ملك البحرين، والتي لاقت ترحيبا من الفئات الأساسية في المعارضة. إننا نريد أن تتوافر لهذه الدعوات الآليات التي تضمن تحولها إلى واقع ملموس، وأن تأخذ طريقها إلى التطبيق، وتسير في خط الجدية لتترجم إلى حلول واقعية تنهي الأزمة وتعود بالبحرين إلى واقع الطمأنية والاستقرار".

وتابع: "أما لبنان، فلا يزال الوضع فيه يدور في الحلقة الانتخابية المغلقة، اجتماعات تتوالى، وبيانات تصدر، وتصريحات متلاحقة، والنتيجة أن الجميع يبحث في قانون معين، والعين على قانون آخر، أو على نصائح تأتي على شكل كلمات السر في نهاية المطاف".

وقال: "اننا نخشى من أن يكون هذا السجال الدائر حول قانون الانتخاب، هو لتمضية الوقت ريثما تنضج الطبخة السياسية التي تنتظر تبدل موازين القوى في الخارج أو الداخل. ومن هنا، فإننا ندعو كل القيادات إلى الخروج من حساباتها الطائفية والمذهبية والانتخابية إلى حسابات الوطن ومصلحة المواطن ومستقبله، فهذا هو السبيل للخروج بقانون انتخابي عصري يريده اللبنانيون، وأن تنصرف الدولة بعد ذلك لحل الكثير من المطالب الملحة، من مشاكل المعلمين المتواصلة، إلى أساتذة الجامعة، إلى المسجونين دونما محاكمة".

وختم: "وأخيرا، فإننا ندعو إلى النظر بكل مسؤولية وإيجابية إلى القضية الإنسانية المتمثلة في إعطاء الجنسية لأولاد اللبنانيات اللواتي تزوجن من غير لبنانيين، والتعامل مع الناس على أساس كراماتهم، وليس على أساس التعداد الطائفي، كما يحصل مع هذه القضية ومع غيرها من القضايا. أيها المسؤولون، إن البلد أمانة في أعناقكم فلا تجعلوه يسقط وسط المتاهات".
  

السابق
كلينتون: باي باي يا ربيع!
التالي
خطب الجمعة من دار الفتوى: لطي ملف الزواج المدني الى الابد