لهذه الأسباب كان الانفتاح بين الرياض وميقاتي

سَتَكثُر التفسيرات حول الاستقبال السعودي لرئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي على هامش القمة الاقتصادية العربية الاخيرة في الرياض، الذي فاجأ كثيرين، ولا سيما منهم خصوم ميقاتي من السياسيين اللبنانيين وغيرهم، كما فاجأ متتبعي سياسة المملكة العربية السعودية حيال لبنان، خصوصاً منذ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري.

ومن المعلوم أن ميقاتي زار المملكة مرات عدة خلال العامين الماضيين حاجّاً ومُعتمراً في الديار المقدسة حيناً، ومشاركاً في قمم ومناسبات حيناً آخر، ومنها قمة منظمة التعاون الاسلامي في رمضان الماضي، ولكن لم يسجّل له أيّ لقاء رسمي مع أي مسؤول سعودي، وكل ما حصل لم يتعد لقاءات عابرة تخلّلها تبادُل السلام والتحيّات.

والواقع ان الرياض لم تكن تتخذ موقفاً شخصياً من ميقاتي بمقدار ما كان إحجامها عن الاجتماع به مردّه الى استيائها من سقوط تسوية الـ "س – س" قبيل إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، حيث ان القيادة السعودية كانت تعتبر ان تلك التسوية توفر حلاً منطقياً للازمة اللبنانية وتعيد تطبيع الاوضاع الداخلية والعلاقة اللبنانية ـ السورية.

علماً انّ الرياض يومها حمّلَت دمشق مسؤولية سقوط الـ "س . س"، وقطعت خطوط التواصل معها. ومن التفسيرات التي أعطيت لانفتاح الرياض على ميقاتي أنها ناتجة من مراجعة أجرتها للوضع اللبناني، ومجمل التطورات الجارية في المنطقة.

ولوحظ ان هذا الانفتاح تدرّج من لقاء ميقاتي وزير الخارجية الامير سعود الفيصل، الى لقائه الامير عبد العزيز بن عبدالله نجل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، وصولاً الى لقائه وليّ العهد الامير سلمان بن عبد العزيز، وقد كانت لهذه اللقاءات أسباب عدة يمكن إيجازها بالآتي:

اولا- انّ المملكة، الحريصة دوماً على علاقتها التاريخية مع لبنان، حريصة في الوقت نفسه على العلاقة مع قياداته السياسية عموما، ومع زعماء الطائفة السنية وعلى رأسهم رئيس الحكومة خصوصا، وهذه العلاقة تميزت بها الرياض تاريخيا منذ استقلال لبنان.

ثانيا- انّ المملكة كانت قد ادركت، بعد الاجتماع الشهير بين سفراء الدول الكبرى في القصر الجمهوري في بعبدا قبل أكثر من شهرين إثر اغتيال رئيس شعبة المعلومات اللواء الشهيد وسام الحسن وتحرّك قوى 14 آذار لإسقاط الحكومة، انّ المناخ الدولي يتمسّك بالاستقرار الحكومي في لبنان، ولذلك انسجمَت مع هذا الموقف الدولي وانفتحت على ميقاتي دعماً لهذا الاستقرار.

ثالثا- انّ ميقاتي، وعلى رغم ما سمّاه البعض "المقاطعة السعودية" له، لم يتخذ منذ توَلّيه رئاسة الحكومة أيّ موقف ضد الرياض. وفي الوقت نفسه أثبتَ، ولا يزال، انه ليس أداة في يد أيّ طرف سياسي، حليفاً كان أو غير حليف، وأنّ مواقفه متمايزة عن الجميع، ولم يتجاوب لا مع "حزب الله" ولا مع رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون في مواقف وسياسات عدة، وهو يلتقي مع الرياض في موقف النأي بالنفس الذي أطلقه حيال الازمة السورية، كما أن الرياض تلتقي معه في تأييدها "النأي بالنفس" اللبناني عن الوضع السوري، علماً انّ ميقاتي يحرص على العلاقة مع القيادة السعودية وظلّ يخطب ودّها الى أن كان له ما أراد قبل ايام.

رابعا- انّ ميقاتي أبدى تفهماً للموقف السعودي حيال الازمة السورية، فيما لم تخف الرياض ملاحظات حول أداء بعض المحسوبين عليها وعلى ميقاتي، مُبدية تخوّفها من نموّ تيّار "المتشددين الاسلاميين" في المنطقة.

خامسا- انّ رئيس الجمهورية لم يكن بعيداً عمّا كان يدور من اتصالات بين ميقاتي والجانب السعودي عبر السفير علي عواض عسيري ومسؤولين سعوديين بارزين، ولذلك أتاح لميقاتي، بسفره الى موسكو، ترؤس الوفد اللبناني الى قمة الرياض الاقتصادية، بغية تمكينه من تطبيع علاقته بالقيادة السعودية، وتبادل وجهات النظر حيال الأوضاع في لبنان والمنطقة.

وتوقّع مراقبون ان تدفع الرياض في قابل الايام والاسابيع في اتجاه تعاون بين ميقاتي وبين تيار "المستقبل" بزعامة الرئيس سعد الحريري، خصوصاً بعدما التقيا على معارضة المشروع الانتخابي الارثوذكسي، وهي معارضة وجدت فيها القيادة السعودية خطوة إيجابية تشجّع على ان تدفع الجانبين الى مزيد من التعاون في ما بينهما راهناً ومستقبلاً.

وقد علّق سياسيون على انفتاح الرياض على ميقاتي مؤكدين انه يدلّ الى دخول الرياض مرحلة جديدة من التعاطي مع شؤون لبنان والمنطقة، ومن المرجّح ان يكون من ثمارها المساعدة على بلورة قانون انتخابي يتوافق عليه الجميع، ويتنافسون في الانتخابات النيابية على أساسه.

السابق
السعودية وقطر باقيتان مع الثوار
التالي
زرع أنف في ذراع مريض