فوضى السلاح تصيب أهل الدار

جاءت حادثة اطلاق قذيفة "انيرغا" على موكب وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي امس لتزيد حالة التوتر في مدينة طرابلس، التي تنام وتصحو على محاولات التفجير، فتضبط ايقاعها الحياتي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي، على وقع الأحداث الأمنية التي تنشأ نتيجة انتشار السلاح وفوضى الميليشيات المدعومة من هنا وهناك رغم ما يعلن عن سحب الغطاء عن المجموعات المسلحة، التي يلقى بعضها دعماً من قبل النظام السوري وحليفه الإيراني، ويلقى بعضها الآخر دعماً من رئيس الحكومة نفسه الذي لا ينأى بنفسه عن ساحة طرابلس، ولا تنأى جماعته عن التلاقي مع أهداف النظام السوري عبر إشعال جبهة التبانة جبل محسن حيناً.. وحيناً آخر حين يتم إهمال قضايا إنسانية تهم المجتمع الطرابلسي مثل قضية المعتقلين الإسلاميين الذين ما زالوا دون محاكمة منذ سنوات ينتظرون قرارات عادلة تنصفهم أو تعاقبهم، إذا كانوا من مرتكبي الجرائم.
"لا تزال "الفيحاء" الباحثة عن الأمن والأمان تراهن على الدولة وتنبذ الفتنة، وأهاليها يدركون أن هذا الأمر يحتاج إلى قرارات صارمة وجدية وإلى وعي في مواجهة الأحداث التي تجري من قبل المسؤولين وعدم الإنجرار إلى استفزازات تشعل فتيل حرب داخلية.
يضع وزير الدولة أحمد كرامي في حوار مع "المستقبل" ما جرى في طرابلس أمس في إطار "الفوضى التي تحصل في المدينة".
ويقول: "هناك إشاعات كثيرة تروّج عن الأوضاع في طرابلس، فكل فريق يطلق شائعات عن الفريق الآخر ويتهمه بالقيام باستفزازات، ما يحصل يضر بمصلحة البلد ومصلحة طرابلس بالذات".
وينتقد الإعلام ومحاولاته عن قصد أو غير قصد في تأجيج حالة التوتر، مقدماً مثالاً على ذلك ما عرض على شاشتي الـL.B.C و"الجديد" خلال ساعات البث المباشر من طرابلس ويقول: "كان هناك تضخيم للحدث الذي حصل، والحقيقة أن ما جرى كان ببساطة تجمع في ساحة عبد الحميد كرامي للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين الإسلاميين وهذا أمر طبيعي ولم يكونوا مسلحين، ولكن جرى تضخيم الحدث الإشكال الذي وقع مع مرافقي موكب الوزير فيصل كرامي الذي كان متوجهاً إلى المسجد، فجرى احتكاك مع مجموعات معينة ومرافقي كرامي، باعتقادي ان الحادثة لم يكن مخططاً لها، بل وقعت في حينها من دون تدبير مسبق".
ويؤكد ان "سلامة الوزير فيصل كرامي بالنسبة إلينا أولوية، والله لا يضر أحدا، ولكن ما يحصل لم يعد مقبولاً، أمن البلد مهدد، والناس لم تعد تسأل عن وزير أو نائب مهدد، ما يهمها أن تعيش، طرابلس ترجع إلى الوراء وتتعذب وتنهار اقتصادياً وهذا حرام".
ولا يغيّب الأهداف الإقليمية في محاولة النيل من طرابلس ويقول: "للأسف طرابلس صارت مكسر عصا، والمدينة تظلم، هناك مخطط يخيف الناس ويؤدي إلى تراجع التجار للوراء، ما يحصل كارثة كبيرة".
ولا ينفي وجود مسافة تتسع يوماً بعد يوم "بين الشعب والحكومة"، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن "الحكومة تقوم بجهدها لكن ما تقوم به لم يعط النتيجة المطلوبة، لأن الشعب غير مرتاح للنتائج، وقد يكون هناك من يلعب على الساحة سياسياً واقتصادياً".
من هم اللاعبون؟ يجيب كرامي:"من كل الأطراف، أنا لا أستثني أحداً من ذلك، وكلنا يعرف اليوم أن النازحين القادمين من سوريا، طبعاً أنا شخصياً مع مساعدتهم، ولكن ما الضمانة ان يكون هناك أشخاص غير النازحين يدخلون إلى البلد، ساحتنا صارت مكشوفة".
وعن كيفية إخراج طرابلس من حالة التوتر القائمة والخطوات المطلوبة من الحكومة على هذا الصعيد، يرى الوزير كرامي ان "توفير الأمن مسألة ضرورية"، رافضاً تحميل الجيش اللبناني مسؤولية الفوضى القائمة ويقول: "لولا وجود الجيش، لكان القتال بين الناس مستشرياً، الجيش لا يستطيع ضبط الأمور مئة بالمئة، أو ربما يستطيع القيام بذلك، ولكن عندها قد يسقط قتلى على الارض، ولكن الجيش يتعامل بضبط الأمور إلى حد كبير من دون وقوع خسائر بشرية وهو يُشكر على ذلك لأنه يتعب كثيراً وهو يتصرف بمسؤولية عالية".
ولا يتوقع كرامي تداعيات دراماتيكية لحادثة طرابلس، ويوضح "لقد انسحب المعتصمون والجيش انتشر، وما حصل مع الوزير كرامي مستنكر جداً ولكن هو يعي ان أحداً لا يستطيع احد جرّه إلى مشكلة تضر البلد وسوف تمر على سلامة إن شاء الله".
بالنسبة إلى عضو المكتب السياسي في "تيار المستقبل" مصطفى علوش، جاءت حادثة الأمس في إطار "محاولات توتير الوضع في مدينة طرابلس بالبلطجة وعبر قيادات مسلحة تتصرف بالشارع وبحياة المواطنين". ولا يفهم "كيف أن موكب وزير يتسبب بإشكال من هذا النوع ويطلق النار بشكل عشوائي في قلب البلد".
ويرى أن "هذه الحادثة لن تزيد من تأزيم الوضع، بالتأكيد هي جزء من المشهد القائم الذي تعيشه المدينة منذ سنوات عبر انتشار السلاح غير الشرعي".
وطالب في حديث الى "المستقبل" "بسحب هذا السلاح من المجموعات المسلحة"، ويرى ان "التجارب السابقة في ضبط الوضع كانت فاشلة"، موضحاً "كلما تم القبض على مسلح تتدخل الوساطات ويطلق سراحه بعد ذلك، وحتى الجرائم الموصوفة التي يوجد فيها قتل وحرق وإضرار بمصالح المواطنين لا يتم التعامل معها بشكل قانوني، من هنا إذا لم يجرِ التعامل بحزم مع مسبّبي الإشكالات فسيبقى الوضع متأزماً".
ويشدد على أهمية معالجة حالات التسمم التي تعيشها المدينة نتيجة حوادث التوتير الناتجة عن الإشكالات المسلحة". ويوضح ان "الحادثة وقعت مع مسلحين مؤيدين للرئيس ميقاتي ومرافقي كرامي"، معتبراً ان "لا محاولة للاغتيال، بل إشكال أمني بين حلفاء".
وعن ترك الساحة الطرابلسية للإسلاميين يرى علوش ان "هذا الأمر يزيد الفرقة الوطنية بشكل أساسي، وهو كان أحد المبررات لايلي الفرزلي وغيره بالتأكيد على وجوب تفتيت البلد بسبب عدم القدرة على التفاهم على استيعاب حالات التطرف الموجودة".
ويؤكد علوش ان "هناك حكومة أوهمت اللبنانيين انها جاءت لكي تحقق لهم الأمن والاستقرار وتبين انه في عقر دار الرئيس ميقاتي في طرابلس تقوم جماعته بتوتير الأوضاع وزيادة الاحتقان نحو الانفلات الأمني، وأنا اتهم الحكومة ليس بالتقصير وانما بالتواطؤ في هذا الأمر".
حدث جديد، ستطوى صفحته بتدابير امنية واستنكارات الا ان السؤال ما يزال عالقا "كيف يزول التوتر نهائيا وتنتهي قصة حرب طرابلس اذا لم يُسحب السلاح من ايدي جماعات النظام السوري و"حزب الله"؟".

السابق
يوسف: ميقاتي سيحيل صحناوي على التفتيش بعد الصفقة المشبوهة
التالي
مواقف سيارات خاصة للنساء