جرعات أوكسجين منعاً للفراغ

لولا جرعات الأوكسجين التي ضخها رئيس مجلس النواب نبيه بري في رئة اللجنة النيابية المصغرة المولجة البحث في قانون الانتخاب، لكن اعضاء هذه اللجنة قد نعوها من اليوم الاول، لإقتناعهم ان مناقشاتهم للمواضيع الخلافية ومحاولة البحث عن حلول لها، اشبه بطاحونة الهواء التي تدور حول نفسها من دون تسجيل اي تقدم بأي اتجاه.

لم يكن مستغرباً ما وصلت اليه اللجنة بعد خمس عشرة جولة من النحت في صخر الخلافات حول شكل القانون الانتخابي، بل كل ما حصل كان متوقعاً، غير ان عناد الرئيس بري واصراره على تأمين الاجماع الوطني حول هذا الاستحقاق جعله يعمل على إقناع القوى السياسية بضرورة خوض هذه المحاولة علّها تؤدي الى نزع بعض صواعق الألغام من أمام ولادة القانون الجديد قبل عبوره الى اللجان النيابية المشتركة ومنها الى الهيئة العامة.

غير ان الرياح السياسية العاتية جرت عكس ما تشتهي سفن رئيس المجلس، الذي واكب عمل اللجنة ووصل الى قناعة بضرورة مواكبتها بمروحة اتصالات ولقاءات علّها تعطيها قوة دفع باتجاه استمرارها وخوض غمار البحث في اكثر من فكرة وطرح وجوجلة ذلك وبلورته في صيغة متقاربة تؤدي الى الوصول الى تفاهمات حول صيغة مشروع انتخابي تكون بنوده مستوحاة من مختلف الافكار التي سمعها من زواره ومن الذين تم التواصل معهم إما عبر موفدين او عن طريق الهاتف.

وتلفت مصادر سياسية موثوقة النظر الى ان ما تقوم به اللجنة الفرعية أقرب الى طبخة بحص، وبالتالي فإنه من العبث تعليق الأمل في إمكانية أن ينجح اعضاءها في احداث خرق في الجدار الخلافي السميك وانه بات واضحاً وضوح الشمس انه يستحيل الوصول الى انتاج قانون جديد للانتخابات من دون التوافق السياسي المسبق جرياً على عادة اي استحقاق داخلي في ظروف عادية وهادئة، وان الحراك الحاصل لا يُسمن ولا يُغني من جوع.

وتعرب هذه المصادر عن مخاوفها من ربط الاستحقاق الانتخابي بمجريات التطورات على مستوى المشهد الاقليمي، لأن في ذلك توجه غير مدروس ولا يعود بالفائدة على لبنان الذي تؤكد كل الظروف والمعطيات انه من غير الممكن ان يكون مؤثراً فيها بل متأثراً، ومن هنا تأتي اهمية الاستمرار في اعتماد سياسة النأي بالنفس عن أي تطور خارجي، والعمل على فصل الاستحقاقات الداخلية عن اي مستجدات خارجية، لأن في ذلك مصلحة أكيدة للبنان، سيما وأنه على الاقل ظاهرياً تؤكد كل القوى السياسية على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها على اساس قانون جديد يؤمن عدالة التمثيل للجميع.

وإذ تؤكد المصادر ان ليس في إمكانها في ظل المناخات الضبابية الموجودة تحديد مسار ومصير الانتخابات منذ الآن، فإنها ترى وجود رزمة من السيناريوهات التي من الممكن انتقاد واحد منها في ربع الساعة الاخير قبل الموعد الدستوري لاجراء الانتخابات، هذا في حال اسقطنا احتمال التأجيل، ومن بين هذه السيناريوهات تعديل القانون الحالي بزيادة الدوائر بما يرضي بعض الافرقاء، او اعادة بعث الروح في القانون الارثوذكسي الذي هو الأن بمثابة الميت سريرياً، غير ان الاجماع المسيحي حوله ربما يجعله خياراً مطروحاً في أي وقت في حال تعذر الوصول الى البديل.

وتعتبر المصادر ان حدوث معجزة تصبح حاجة ضرورية في ما لو تعذر الوصول الى تفاهم على أي صيغة من الصيغ المطروحة، معربة عن اعتقادها في الوقت ذاته على ان الزمن ليس زمن معجزات، وبالتالي فإن القوى السياسية محكومة بالتوافق، اللهم إذا كان هناك قطبة مخفية محاكمة بأيادي خارجية تجعل من الاستحقاق الانتخابي في لبنان ورقة من الممكن اللجوء اليها في اطار معركة عض الاصابع على المستويين الاقليمي والدولي، فصحيح ان لبنان بلد صغير لا مكانة له في لعبة الامم، لكن اجيالنا من الممكن ان تأخذ هذه الدول كورقة مساومة لطالما كانت في الماضي تأتي على حسابه.

وفي تقدير المصادر الموثوقة ان الرئيس بري لن يسمح بالوصول الى الفراغ، وهو سيسعى دائماً الى ملء الوقت الضائع بالاجتماعات والمشاورات وهو ربما يرى حاجة لعودة اللجان المشتركة الى الالتئام في حال وجود ان المناخات السياسية تنحاز الى مثل هذا التوجه سيما وان قرار المعارضة ما زال ساري المفعول لجهة مقاطعة اي عمل تحضره الحكومة، غير ان هذا الامر ربما يجد له الرئيس بري فتوى سياسية مع بعض «المونة» والتحذير من مغبة الوقوع في مثل هذا الفراغ، وفي حال لم ينجح نكون قد وصلنا الى الحائط المسدود الذي يؤدي حكماً الى تطيير الانتخابات او الخضوع الى الامر الواقع الذي يجريها على اساس قانون الستين ولو معدلاً.

السابق
اللواء: ميقاتي يطلب شطب الزواج المدني من التداول في مجلس الوزراء
التالي
الشرق الأوسط: ميقاتي: لبنان نأى بنفسه.. والعربي يحمل الأسد تأخر الحل