التساهل مع العملاء تشجيع على العمالة

  صنّفت بعض وسائل الإعلام بالأمس العميل الذي أوقفته مخابرات الجيش اللبناني بـ«العميل الأغلى»، إذ تقاضى على مدى عشرين سنة من العدو «الإسرائيلي» مبالغ مالية ضخمة، ولو سألنا أين صرفت هذه الأموال وفي أي مجال استثمرت أو على من أنفقت لأدركنا أنها لم تصرف في التبرّع للجمعيات الخيرية أو في أعمال البر والإحسان، بل صرفت على ما يضاهي مستوى أخلاق ذاك العميل و«وطنيته» وإيمانه بأن العمالة مصدر رزق حلّله لنفسه وشرّعه، خارجاً على كل القوانين التي تدين مثل هذه الارتباطات المخزية، علماً أن تلك القوانين الجزائية التي تعاقب العملاء على أفعالهم الجرمية استبيحت تحت مبررات و«فتاوى» أشبه بـ«فتاوى الربيع العربي» الذي أزهر دماراً وقتلاً وعمالة و«نصرة» على وسع هذا الغباء الطائفي والمذهبي الذي يتحكم في ما تبقّى من عقول نخرها التصهين والاستعراب والجهالة.
المطلوب من الدولة اللبنانية التي تمارس سياسة «النأي بالنفس» ألا تسحب هذه المقولة على وضع العملاء هرباً من تحمل المسؤوليات التي يفترض أن تتحملها في ساعات الشدة والفوضى العارمة التي تضرب البلاد في مرافقها كافة (لن نتكلم هنا عن ضعف المؤسسات والإدارات العامة الخِدْمية وغير الخِدْمية التي تكشفت عوراتها أثناء العاصفة الثلجية التي ضربت البلاد قبل أسبوعين، وكيف تُلقى مسؤوليات التقصير على «راجح» الذي فرّخ في كل إدارة «رواجح» كثيرين، ولا عن الكهرباء التي أضحت من “الكماليات”، ولا عن الطرقات ولا عن الماء…). كل تلك الحاجات الضرورية التي تعاني من حرمانها غالبية المواطنين تهون، ويمكن الصبر على بلواها، أما أن تطالعنا الأخبار كل يوم بخبر عن عميل «غالٍ» وعميل رخيص وعميل مدعوم إلى آخر المعزوفة التي أفتت حديثاً بالإفراج عن «أخطر العملاء» تحت مسوّغات قانونية تقدّم للمرة الأولى في تاريخ محاكمة الخونة والعملاء والتنكر للوطن، وهو أمر يصعب تحمله.
المطلوب أيضاً من الدولة اللبنانية أن تصادر أموال العملاء المنقولة وغير المنقولة، وأن تشهّر بهم وتجرّدهم من حقوقهم المدنية، بل أن تنفذ في حقهم القوانين التي تنص على إنزال عقوبة الإعدام بكل عميل وخائن لوطنه، وأن تضع حداً للتشريعات والاجتهادات التي تسمح بالإفراج عنهم أيّاً تكن الظروف، لئلا تصبح العمالة أمراً مبرراً ومسموحاً به فتذهب جهود الجيش والشعب والمقاومة أدراج الرياح، ولئلا تصبح العمالة مفخرة يتباهى بها كل عميل عاش على أموال العمالة القذرة غير عابئ بما يصدر في حقه من أحكام تكون نهايتها “إخلاء سبيل مفذلك” بغير وجه حق، وغير خائف من أي عقاب.
سؤال افتراضي: أليست تبرئة العملاء الذين يعترفون بعمالتهم جهاراً من تلقاء أنفسهم مع الدولة العبرية العدوّة والذين تدينهم المستمسكات الحسيّة بشكل واضح بلا لبس أو إبهام، أولى خطوات التنازل عن مبدأ الصراع مع العدّو «الإسرائيلي» والتدرج بعد ذلك إلى تشريع التطبيع معه والقبول باحتلاله الأراضي العربية المغتصبة في فلسطين ولبنان والجولان؟
يجب ألاّ تمر العمالة للعدّو «الإسرائيلي» بهاتين البساطة والسهولة… إن مقاتلة اليهود الصهاينة وأبناء الأفاعي واجب وطني بامتياز، تصديّاً لأدواته وعملائه كواجب وطني وقومي، واستدراكاً لما قد يفعله التغافل عن هذا المبدأ من إفساد لعقول الناشئة في تحديد خطر هذا العدو، واحتراماً لأجيال وطنية وقومية ناضلت على مدى السنين وما زالت ليبقى هذا الوطن وهذه الأمة في منأى عن التهوّد والتصهين، فتلك الأجيال دفعت دماء شهدائها الغالية في سبيل معتقداتها وثوابتها التي لن تتنازل عنها مهما “علا” سعر العملاء ومهما بلغت ثرواتهم، فهم في نظر أبناء الحياة حثالة قذرة ويجب الاقتصاص منهم من دون رحمة ووضع حد نهائي لهم ليسلم الوطن.

السابق
تصعيد خطير في الايام المقبلة والابراهيمي يعتزم الاستقالة
التالي
اضراب وتظاهرة لهيئة التنسيق اليوم للمطالبة باحالة سلسلة الرتب والرواتب