مروان حمادة: انشر إفادتك 

يصعب على المرء أن يحسد النائب مروان حمادة على وضعه. المشكلة هنا لا تتعلق بنقاش سوي. بل نحن أمام شخصية مركّبة، زاد في تعقيدها ما واجهه الرجل من محاولة اغتيال كادت تودي بحياته. وهو الذي لا يزال يرى أنه مستهدف من قبل الفاعل نفسه، وأنه عرضة لمحاولات اغتيال يومية.

تراه يخلط بين الأمور، فما عاد يركز على ما يعنيه القول، مباشرة أو مواربة، لأن هاجسه في حالته المباشرة بعيد عن فكرة المساءلة. اعتبر محاولة اغتياله كما لو أنها عقاب مفتوح، أي إنه لن يعاقب أو يلاحق قضائياً أو أخلاقياً من قبل أي كان، وأنه كلما حاول أحد مناقشته أو نقده، صار بالنسبة إليه شريكاً في القتل، أو إنساناً ناقصاً لإنسانيته، لأنه لا يقدّر الوضع الذي يعيشه النائب الغاضب، فكان اختصار الحالة بالوصف الغريب: «الشهيد الحي».
في حالة حمادة، يصبح لزاماً على كل من يفكر في أن ينظر إليه، أن يحادثه، أن يجادله، أو أن يعنّفه على موقف أو فعل أو كلام، أن يتصرف على أنه أمام «شهيد»، ولكنه «الشهيد الحي»، ما يعني أن علينا أن نتصرف معه بروية، وأن «نطوّل بالنا» كما يُقال بالعامية. هي حالةُ حشدٍ كبير من السياسيين والاعلاميين وغيرهم من الاشخاص الذين يعلقون على كلامه الانفعالي، أو تقديراته الخنفشارية، أو مقارباته الماورائية، أو استنتاجاته العجيبة. وهؤلاء يقومون بردّ فعل تلقائي يجعلهم في منزلة من منزلتين: إما شامت يقول إن ما يحصل مع الرجل نتيجة لما قام به، أو متعاطف يدعو الى التخفيف عن «الذي أصابه ما لم يصب الآخرين»… والأكثر تعبيراً عن الحالة هنا، قول أم لابنها: يا ماما، عيب، الله لا يجرّبنا، حدا بيعرف كيف عايش بعد اللي صار معو؟
قرأ مروان حمادة المتعلم، والصحافي، والمشرع، والسياسي المخضرم، ما ورد في مقالتي أمس على أنه تهديد له. حسناً، إذا كان في ذلك ما يرضيه ويعيده الى الأضواء قليلاً، وتصرف كمن اشتاق الى تعاطف… فلا بأس!
أما إذا كان الرجل قد قرأ عبارة حفيدة الرسول زينب، في محضر الطاغية يزيد، أنها تحمل إشارة له، فهذا يعني أنه هو من يمارس الترهيب علينا لكي نصمت عن موبقة العصر التي تدعى محكمة دولية. ولا أظنه يقبل أن يكون في هذا الموقع. ومع ذلك، فإن الجلبة التي أحدثها أمس رداً على ما سمّاه تهديده بالقتل، ليست صالحة لغير برنامج الكاميرا الخفية، حيث النهاية إما على شكل ابتسامة ومصافحة، أو على شكل عبسة وصفعة. وفي الحالتين، لا نجد أننا أمام خصم حقيقي، لا في السياسة ولا في الصحافة ولا في القضاء، بل نحن أمام حالة عصيّة على الفهم.
مروان حمادة، كما قدمه لنا جيفري فيلتمان في برقيات السفارة الاميركية التي نشرها موقع «ويكيليكس»، يقبل بأن يلعب الأدوار المنوّعة. وهو بزّ جنبلاط في تقلّباته، لكنه تفوّق عليه في إظهار أحقاد على المقاومة بصورة تجاوزت حدّ الخصومة التقليدية. ووصل الأمر به في بعض الأحيان، ودائماً حسب صديقه جيف، إلى أن يقبل لنفسه صفة العاهرة في طلبه الدعم من الغرب. وهو من كتب وأجاد في مدح هذا أو ذاك من القادة والأحزاب والأفكار، ومن بينها _ طبعاً _ حزب البعث في سوريا، وقيادة النظام الذي يتمنى له اليوم السقوط كل لحظة.
لكن قلق حمادة المستجد على المحكمة وشهود فريق الادّعاء له تفسيره أيضاً. فهذا الرجل أجاد وأجاد عندما قابلته لجنة التحقيق الدولية. هو أصلاً كان يتطوع أيام ديتليف ميليس لتقديم لائحة شخصيات يعتقد هو أنها تنفع في تثبيت الرواية التي تحمّل النظام في سوريا أو حزب الله المسؤولية عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وكلنا يذكر قصة الوزير السابق فارس بويز الذي تمنّع عن تأدية هذا «الواجب»، فانتظر ميليس الإشارة من حمادة ولم تصل.
ثم عندما يكون مروان حمادة متحمّساً إلى هذا الحد لعمل المحكمة، وهو يراها الملاذ الأخير للوصول إلى العدالة والحقيقة، ويقول إنه لا يخشى شيئاً، فهل يقبل منّا دعوته إلى أن ينشر إفادته أمام فريق التحقيق التابع للمحكمة وقبلها للجنة التحقيق الدولية؟ أم هو يعتقدها وثيقة سرية، ومكتومة، ومحفوظة في صندوق أسود لا تصله عين أو يد؟
قديماً قال شاعر التشاؤم والتوجّس:
تخيرْ، فإما وَحدَةٌ مثـــــلُ ميتةٍ / وإما جــليسٌ في الحياة، منافِقُ.

السابق
سجال الحرب على الإرهاب
التالي
من خطاب التنصيب الى تحديات الولاية الثانية