ما لم يقل عن اعتماد الأرثوذكسي

تبدو نتائج اعتماد اقتراح اللقاء الارثوذكسي، فيما لو قدر له المرور في الهيئة العامة لمجلس النواب، كقانون، تجري وفقه الانتخابات النيابية المقبلة، مخيفة، ولها تداعيات تتجاوز في خطورتها بعض الشوائب التي تعتري القوانين المعتمدة حاليا.

والاقتراح الارثوذكسي الذي ينص على الاقتراع الطائفي والمذهبي للنواب ـ بمعنى ان يقترع ناخبو كل مذهب من مذاهب الطائفتين المسيحية والاسلامية للنواب المخصصين لهم ـ تخلّى عن تبنيه رموز الارثوذكسية في لبنان، وتحديدا المتروبوليت الياس عودة، والنائب ميشال المر، والوزير السابق فؤاد بطرس، وقيادات متعددة في الاحزاب العلمانية، هذه الاحزاب التي اشتهرت بأن مؤسسيها من الطائفة الارثوذكسية، أمثال انطون سعادة وجورج حاوي، وينطبق الامر على القيادات النقابية أيضا.

أوساط محايدة ترى أن التسابق على تبني الاقتراح الارثوذكسي يخفي شيئا من الارتجال، قد يحسن تمثيل بعض القوى المسيحية، ولكنه يسيء للمسيحيين بالدرجة الاولى، ويربك تقاليد التعايش التي يتميز بها النسيج اللبناني منذ زمن بعيد، ويلغي الدور الجامع للمسيحيين، الذي اضطلعوا به، رغم بعض المآسي التي مرت في التاريخ اللبناني، وكانت من جراء أخطاء متهورة ارتكبتها قيادات اسلامية ومسيحية.

ان توزيع الناخبين والمرشحين على أساس مذهبي، لا يستطيع الناخب أن يقترع فيه إلا لمرشح من المذهب ذاته، يخالف العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي تبنته الأمم المتحدة (ولبنان عضو فيه) والذي يحفظ حرية المواطن باختيار من يشاء لتمثيله، وسيساهم هذا الامر في تفكيك التوليفة المجتمعية اللبنانية المبنية على تقاليد اختارها المسيحيون قبل غيرهم، حتى في المقاربات السياسية، فانخرطوا في تشكيلات ليست طائفية، منها القيسية واليمنية، ومنها اليزبكية والجنبلاطية، ومنها الكتلوية والدستوري، ومنها اليمين واليسار، ومنها حتى 8 و14 آذار أخيرا.

وأخفت هذه التوليفات تشوهات التفكك الطائفي، وساهمت في إخفاء تداعياته البشعة على نطاق واسع، ولم تتعرض لحرية ممارسة الطقوس الدينية، ولا الى الانتماء الى الاديان على اختلافها، واستحق لبنان بحفاظه على تلك التقاليد، أن يكون أكبر من وطن، بل رسالة، وفقا لوصف الارشاد الرسولي.

أما إرجاع الاستقطابات الحزبية والنيابية الى المربعات المذهبية، فسيدمر التقاليد التعايشية، وسيتفرع الامر الى هلاك يصيب القطاعات الخدماتية التي تهم الجميع، والتي لا يمكن تفصيلها على القياسات الطائفية والمذهبية، وسيؤدي الاستقطاب الانتخابي أيضا الى تفكيك التعاون والتواصل فيها، وهذا ما لا يمكن تصور نتائجه على مستقبل لبنان.

ففصل عرى التعاون الانتخابي والحزبي، سيؤدي حكما الى فصل عرى التعاون الانمائي، في البلديات (التي ستحتاج حينها لقانون جديد)، والى الجامعات وفروعها، والى مرافق الخدمات المشتركة الاخرى، كالطرقات والمياه والكهرباء، ومرافق الادارة، وحتى الأمن والعدالة.

وستنتج عن التسابق الطائفي والمذهبي، فوضى مؤكدة، تربك الوزارات المعنية، أيا كان نوعها، ناهيك عن ولادة أزمة ثقة تعقد عملية اختيار المواقع القيادية الجامعة، كالرئاسات ومراكز الأمن الحساسة، والمواقع الاقتصادية التي تهم كل اللبنانيين.

إن شعار تصحيح التمثيل المسيحي، لا يمكن أن يبرر مغامرة السير بالقانون الأرثوذكسي القاسي على الحياة السياسية اللبنانية.

السابق
الانتخابات بين الاوهام والوعود
التالي
الأشرفية دخلت الحراك الانتخابي