جبل الجليد يقطع التواصل القواتي-المستقبلي

على عكس ما يعتقد كثيرون، فإنّ أزمة العلاقة بين تيار "المستقبل" و"القوات اللبنانية" لم تبدأ مع تبنّي "القوات" المشروع الأرثوذكسي ولو أنّها ظهرت إلى العلن في هذا التاريخ. الحقيقة أنّ الأزمة بدأت مع فتح أبواب النقاش الداخلي بين الثنائي الحزبي حول ترتيب الأحجام في اللوائح الانتخابية، واتّخذت مساراً أكثر جدّية مع الانتخابات الفرعية في قضاء الكورة. ومنذ ذلك الحين راكمت التطوّرات عناصر الأزمة التي انفجرت مع تبنّي "القوات" المشروع الأرثوذكسي.

وعلى رغم الكلام "التطميني" البارد الذي يصدر عن بعض المسؤولين الحزبيّين هنا وهناك، إلّا أنّ عمق الأزمة يبدو أكبر من أن ينتهي باتصال أو تصريح، ولو أنّ الجميع واثق بحصول تسوية في نهاية المطاف بين الفريقين.

وللدلالة على عمق الأزمة، فإنّ لقاءات اجتماعية شهدت نقاشات سياسية حامية بين مسؤولين من الطرفين، لم تخلُ في بعض جوانبها من الحدّة. لا بل إنّ بعض الزملاء الإعلاميّين القريبين من "المستقبل" درجوا على تقويم ما حصل بأنّه نتيجة خطأ في التقدير ارتكبه سمير جعجع، في وقت كان أحد الرموز الإعلامية المحسوب مباشرة على الحريري ينشر مقالاً نقديّاً قاسياً في حقّ جعجع.

فمنذ نحو السنة، فُتح النقاش في أروقة التشاور بين "المستقبل" و"القوات" حول حصص الأطراف في لوائح فريق "14 آذار" النيابية. وكان واضحاً أنّ جعجع يطمح إلى حصّة "تعكس حجم "القوات" ولا تقلّ عن 16 مقعداً"، تمهيداً للتحضير للانتخابات الرئاسية، في وقت أرسل حزب الكتائب إشارات قويّة إلى تمسّكه بكتلة تليق بموقعه ولا تقلّ عن 10 مقاعد.

في المقابل، بدا الحريري متمسّكاً بعدم إقصاء "مسيحيّيه" عن مقاعدهم، ولو أنّه بدا مستعدّاً لتوسيع حصّة "القوات" إلى أربعة مقاعد إضافية عن الحصة الحاليّة، وحصّة الكتائب إلى مقعدين إضافيّين.

وبدأت إشارات التجاذب تظهر ولا سيّما بين "المستقبل" و"القوات". وتردّد أنّ الحريري طلب من السعودية بأن يكون هو ممرّاً إجباريّاً وحصريّاً لكلّ أشكال الدعم المالي التي كانت تحصل مباشرة بين السعودية ولبنان، ولهذه المسألة معانٍ كبيرة.

ووسط تزايد شدّ الحبال، جاءت الانتخابات الفرعية في الكورة حيث أرادها جعجع بمثابة اختبار ملائم واستعراض للقوّة والتنظيم والقدرة، فيما تعاطى معها الحريري على أساس أنّ لـ"مسيحيّي" تيار "المستقبل" تمثيلاً واسعاً. لذلك، جرى التركيز على انتصار "القوات" في الانتخابات، في مقابل الحديث عن الدور الفاعل لقاعدة فريد مكاري الانتخابية. وجاء التصويت السنّي الضعيف ليفتح باب التساؤل حول الخلفية الفعلية لذلك.

وإزاء مَيل الشارع المسيحي إلى جاذبية المشروع الأرثوذكسي، حاول جعجع الخروج بأقلّ الخسائر الممكنة من خلال طرح مشروع الـ 50 دائرة. فطار إلى السعوديّة للقاء الحريري وانتزاع تأييده للمشروع، والعمل على طرحه رسميّاً في النقاش المفتوح. لكنّ الحريري، الذي وافق على هذا المشروع على مضض، أحجَم عن تبنّيه رسميّاً، مراعاة للنائب وليد جنبلاط الرافض له.

كلّ هذا التراكم، فَتَح الطريق أمام الموافقة على المشروع الأرثوذكسي بعد دخول بكركي بقوّة على خطّ طرح مشروع انتخابيّ موحّد للأقطاب الموارنة، وهذا ما جعل الرئيس فؤاد السنيورة مُربكاً خلال المقابلة على شاشة الـMTV مع الزميل وليد عبود والتي جاءت بعد 24 ساعة على اجتماع بكركي.

وللموضوعية، فإنّ ما زاد من تراكم الخلافات بين "المستقبل" و"القوات"، الكيمياء المفقودة بين السنيورة وجعجع، حيث يردِّد الأخير مآخذ كثيرة وكبيرة على الأوّل في مجالسه الخاصة.

وفيما اعتبر الفريق المحيط بالحريري، أنّ موقف جعجع جاء بمثابة المناورة الفاشلة لإحراج "حزب الله" وحركة "أمل"، فإنّ كلام النائب جورج عدوان خلال اجتماع بكركي الذي أقرّ تبنّي المشروع الأرثوذكسي، إنّما يناقض هذا الاستنتاج.

فهو قال بوضوح أمام دهشة الحضور إنّ "القوات" ستسير حتى النهاية بهذا المشروع، ولن تعود إلى قانون الستّين حتى لو اضطرّها ذلك إلى السير بالمشروع المحال من الحكومة كخيار أخير. في وقت كان فيه جعجع يردّد أمام أنصاره أنّ هذه اللحظة تاريخية ويجب الإفادة منها لتحسين التمثيل المسيحي.

صحيح أنّ "القوات" لن تعدّل في موقعها من زاوية الصراع الإقليمي، أي الإبقاء على علاقتها الوثيقة بالسعودية إلّا أنّ ذلك لا يعني أبداً أنّ مستوى الأزمة القائم راهناً مع تيار "المستقبل" لن يترك هوّةً يصعب ردمها مستقبلاً، في وقت تشهد فيه العلاقة القواتية – العونية تحسّناً عمّا كانت عليه.

في الشارع القواتي، انتقاد "للتحالف" مع "المستقبل" الذي لم يساند مرّة واحدة مواقف "القوات"، فيما يستطيع عون أن يأتي بـ"حزب الله" إلى جانبه في كلّ موقف يأخذه، بما يعني أنّ على "المستقبل" معرفة قيمة التحالف مع "القوات"، والذي هو بالقيمة نفسها للتحالف مع جنبلاط، إذا لم يكن أكثر.

وفيما يحاول جنبلاط دفع السنيورة إلى فتح أبواب التفاوض والتسوية مع الشيعة من خلال الرئيس برّي، وإنجاز اتفاق يشبه في عنوانه اتفاق العام 2005، ردّد برّي أمام سائليه أنّه يؤيّد حصول تسوية سنّية – شيعية لكلّ المرحلة المقبلة، ولكن مختلفة عن العام 2005، ذلك أنّ ظروف اليوم مختلفة عن الأمس. وقد يكون "حزب الله" أيضاً موافقاً على تسوية عريضة تضمن كامل المرحلة المقبلة لكنّه بالتأكيد لن يوافق على أيّ تسوية على حساب المسيحيّين، وتحديداً على حساب العماد عون.

وانطلاقاً من ذلك، لا بدّ أن تحمل إطلالة الحريري التلفزيونية من باريس في 31 الجاري في برنامج "كلام الناس"، مؤشّرات حول هذه المسائل، إضافة إلى إمكان إنجاز تسوية مع "حزب الله" من خلال الرئيس برّي حول الانتخابات النيابية، ومرحلة ما بعد الانتخابات لجهة سلاح الحزب والتركيبة الحكومية وكامل تفاصيل المرحلة المقبلة.

وبالتأكيد، لن ينسى الحريري اعتبار ما حصل مع "القوات" اختلافاً تحت السقف الواحد، ودليل حيوية وديموقراطية، وأنّ التحالف أكبر وأقوى من هذه التفاصيل الخلافية الصغيرة. هذا مع الإشارة إلى أنّ الحريري أبلغَ المقرّبين إليه أنّه أرجأ عودته إلى لبنان حتى آخر شباط المقبل، ما يعني عدم تنظيم احتفال في 14 شباط بل في 14 آذار وسيكون بحضوره.

السابق
الوجبات الخفيفة تزيد تركيزك
التالي
حوري: على الفريق الآخر إزالة هواجس النسبية