حاسبوا النواب

ظاهرياً، تبدو الساحة السياسية منشغلة بقانون الانتخاب. ويبدو أيضاً أن القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب، منهمكة بالنقاش حيال قانون الانتخاب المنوي اعتماده في الانتخابات النيابية المقررة مبدئياً في حزيران المقبل.
إذا كانت الانتخابات النيابية تحوز على هذا القدر الظاهر من اهتمام القوى السياسية والسياسيين عموماً في البلد، فإن عين المواطن متّجهة إلى ملفات أخرى حيوية تطول معيشته ومستقبله ومستقبل أبنائه، على رغم أن الانتخابات النيابية في أي بلد ديمقراطي في العالم، هي فرصة المواطن لمحاسبة المسؤولين عن معيشته ومستقبله في بلده. فالمواطن اللبناني محبط ويشعر بالمرارة من أداء ممثليه في البرلمان، ومن الحكومات التي تعاقبت على البلد منذ 2005، ومن نتائج الانتخابات النيابية منذ ما بعد اتفاق الطائف اعتباراً من عام 1992. هذا ما نلمسه من خلال التحقيقات الميدانية التي توردها وسائل الإعلام المختلفة، وهذا ما لمسناه أيضاً من خلال اجتماعات عائلات وشخصيات بيروتية تداعت للبحث في أوضاع بيروت وأهلها، في ظل إهمال لافت من نوابها المنتخبين سنة 2009.
في الواقع، لا يجد أي مراقب استعدادات فعلية لذهاب القوى السياسية، أي 8 و14 آذار، إلى التوافق على قانون انتخاب جديد. كما لا يبدو أن هناك أي نقاش جدّي لهذا الملف، علماً أن الحكومة كانت قد تقدمت بمشروع قانون اعتبرناه جيداً لاعتماده النسبية. وربما يدرك كثيرون أن ما جرى في اللجنة النيابية المصغرة المكلفة دراسة قانون الانتخاب، يؤشر على أن قانون الستين قد يكون قانون الأمر الواقع مجدداً، وأن كل هذا الضجيج السياسي هو تقطيع للوقت ليس إلاّ. أليس هذا ما حصل سنة 2009؟ قد تكون المماطلة هي القاسم المشترك، فيما ندعو الله ألاّ يجري تسخين الأجواء أمنياً كما حصل قبيل اتفاق الدوحة وصولاً إلى تكريس قانون الستين، والاتفاق بين قوى 8 و14 على مصادرة نتائج الانتخابات آنذاك.
اليوم يشعر الطرفان الرئيسان أعني 8 و14 آذار أن هذه الانتخابات، إذا أجريت، ستكون مقدمة لمرحلة جديدة في ظل تطورات المنطقة ولا سيما منها في سورية، الرابح فيها يتحكم بمفاصل الحكم والدولة. لكن البلد لم يعد يتحمّل المحاصصة نهجاً في الحكم وفي الإدارة، لأن الفساد بات يضرب في العمق، ولم تعد تتحمّله حتى الطوائف! فصراخ المواطنين، على سبيل المثال لا الحصر، عند العاصفة الطبيعية التي شهدها لبنان الأسبوع الماضي يطول مختلف القوى السياسية التي حكمت لبنان منذ 1992، تلك الطبقة السياسية التي لم تتغير بل جلّ ما نتج من تحاصصها هو الدين العام الذي جاوز ستين ملياراً، في حين لمس البيروتي مدى هشاشة البنى التحتية في العاصمة، خصوصاً قبل أن يلمس المواطن فضيحة غياب البنى التحتية في مختلف المناطق اللبنانية عموماً. لكن أخطار قانون الستين لا تقف عند إعادة إنتاج الطبقة السياسية عينها والمحادل إياها، بل تكمن في حال المراوحة التي نشأت بحكم هذا القانون، والتي كرسّها اتفاق الدوحة الذي خلق توازنات في ما بين القوى السياسية تجعل الشلل السّمة الوحيدة للحكومات التي تلته (وإلاّ ما معنى الثلث المعطل أو المحاصصة والإلغاء وما شابه؟). علماً أن من المسلمات اللبنانية أن ليس بإمكان أي فريق أو طرف أو فئة أو طائفة أو مذهب إلغاء الآخرين ولا الحكم وحده في لبنان، مثلما ليس بإمكان أحد ضرب وحدة لبنان وعروبته. ولكن المطلوب هو التوافق على تحريك الاقتصاد وتطوير الإدارة وضمان حقوق الناس في عيش كريم.
نحن في حزب الحوار الوطني لا نهاب أي قانون للانتخاب يقرّه مجلس النواب، وتجري الانتخابات على أساسه، وسنشارك في الانتخابات المقبلة أياً يكن القانون والتقسيمات الإدارية، وسواء كان أكثريّاً أم يعتمد النسبية، علماً أن موقفنا واضح لجهة تأييد النسبية، ورفضنا القاطع للبوسطات والمحادل التي تطيح صوت الناخب وحقوقه، وتوصل إلى مجلس النواب دمى يتحكّم بها رؤساء الكتل، فيما يتحكم بالقرار بضعة أشخاص ممثلين أحاديين لطوائفهم ومذاهبهم، بعيداً من التعدّدية السياسية المطلوبة في أي نظام ديموقراطي!
بالمناسبة، نحيّي مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط ونقف إلى جانبهم في رفض المشروع الأرثوذكسي.
يبقى أن لا مغالاة في القول إن النسبية هي الأفضل ليس للمسيحيين فحسب، بل للبنانيين جميعاً. فبعد مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين الذي نصّ عليه دستور الطائف، والذي يضمن التوازن في مجلس النواب بغض النظر عن التعداد الطوائفي للبنانيين، فإن النسبية تتيح للبنان فرصة التجديد والتغيير في مشهد الساحة السياسية الراكد منذ عام 1992، والذي لم ينتج منه سوى مشهد عام 2005 المتواصل حتى الآن، متمثلاً بفريقي 8 و14 آذار. لذا يجب أن تكون الانتخابات النيابية المقبلة فرصة لمحاسبة النواب.

السابق
جنود سمير جعجع المجهولون
التالي
هل يوقفون الحجّ إلى بيت الله؟