هل هكذا يُغاث النازحون السوريون؟

عندما وُصفت دمشق بانها قلب العروبة، وحضن العرب يبدو ان الوصف لم يكن فيه مغالاة ولا افراط او تفريط بالحقيقة، اذ ان وقائع التاريخ تثبت ان ممارسات سورية شعباً وحكماً كانت مستجيبة لهذا التوصيف. ولن اعرض هنا للمواقف السياسية والأداء العسكري السوري من اجل نصرة العرب وقضاياهم والدفاع عن حقوقهم، واحصر الحديث في المجال الانساني والشعبي وكيفية تعامل سورية مع العرب الذين ناشدوا لديها الملجأ والمأوى عندما كانت تضيق بهم الارض بما رحبت.
ولنتذكر ان سورية كانت الحاضن المميز لأكثر من نصف مليون فلسطيني لجأوا اليها عندما طردتهم الصهيونية من بيوتهم، وبدل ان تعاملهم سورية كغرباء او اشقاء ضيوفاً فقط، فانها حفظت لهم الهُويّة لتكون مستند ممارسة حق العودة، ومنحتهم الحقوق التي هي للسوريين حتى كاد الفلسطيني اللاجئ الى سورية ينافس السوري في مجالات كثيرة، وينخرط في الحياة المدنية الى حد بات التمييز بينه وبين المواطن السوري أمراً ليس بالسهل . وهنا نتوقف عند مسألة المخيمات التي انتشرت في ارجاء سورية للفلسطينيين، حيث ان مفهومها أُرسي على فكرة حفظ الهُوية والتأكيد على وجود المأساة، وتكون المخيمات دليلا عليها وان لا حلّ لها الا عبر العودة، ولم تكن المخيمات الفلسطينية من اجل عزل الفلسطيني عن السوري، ولهذا وجدنا نسبة لا بأس بها من السوريين تعيش مع الفلسطينيين في المخيمات لمخالطتهم وإشعارهم بوحدة الموقف والحال واسقاط فكرة العزل والمحاصرة. ما أدى الى نسبة عالية من التزاوج بين الفلسطينيين والسوريين.
ومع ظلم نظام صدام حسين، ثم فداحة الظلم ومخاطر الاحتلال الاميركي للعراق، فرّ اكثر من مليون ونصف مليون عراقي الى سورية، وهنا كانت سورية حكما وشعبا عند حسن الظن والامل الموضوع فيهم، فاستُقبِل النازحون العراقيون بحُسن وفادة واهتمام في الدُّور والمنشآت الخاصة والعامة
وقُدِّمت لهم المساعدات ومواد الاغاثة وأمنت لهم فرص العمل والتكسُّب ولم يفكر احد من المسؤولين السوريين او يعمد الى انشاء المخيمات المحاصرة والعزل، ولم يدّع احد أن هؤلاء سيشكلون خطرا على الامن في سورية او على الاخلال بديمغرافية الدولة او الى ما هنالك من معزوفات باتت مموّجة اليوم ونحن نسمعها من هذه الدولة العربية أو تلك.
اما حيال لبنان، فان سورية اضطلعت بمسؤولية الدولة حيال اللبنانيين المنكوبين بينما تظهر اللامسؤولية عنهم، وأبدت سورية كل الاهتمام بهم خاصة بعد ان نظر اليهم الرئيس حافظ الاسد على أنهم يشكلون مع السوريين شعباً واحداً في دولتين وتم التعامل معهم على هذا الاساس، وعندما اضطر البعض خلال حرب السنتين التي فجرها حزب الكتائب بوجه الفلسطينيين ثم اليسار ثم بعض المسلمين، واضطر من دخلت النار الى مناطقهم ان ينزحوا الى سورية، او عندما كانت «اسرائيل» تشن حروبها المتتابعة ضد لبنان بدءا من العام 1972 الى 1978 الى 1982 الى 2006، وكان اللبنانيون يلجأون الى سورية، حيث كانوا يجدون فيها المنزل الآمن والرعاية التامة والاهتمام الذي لا شائبة عليه ، حتى ان اللبنانيين استُثنوا من قرار الدفع بالعملة الصعبة وعوملوا كالسوريين في الفنادق بالدفع بالليرة السورية وبأسعار تُمنح للسوريين، هذا لمن كانت حاله تمكّنه من دخول فندق اما الآخرون فقد وجَدوا في بيوت السوريين ما يبحثون عنه من المأوى والأمن حيث الطعام بلا مِنّة والشراب بلا سؤال او ابتزاز.
لقد بلغ عدد النازحين الى سورية في لحظة من الزمن اكثر من مليوني عربي ( عراقي او فلسطيني او لبناني وآخرين من المضطهدين من شمال افريقيا او الخليج ) ولم يسمع احد في الدنيا أنين مسؤول سوري او شكوى شعبية من وجود هؤلاء، ولم تبادر سورية الى انشاء المخيمات وعزل الوافدين ومحاصرتهم، فقط كان للفسطينيين مثل ذلك فقط من اجل اتخاذ المخيم دليلا على اللجوء واداة ضغط لتنفيذ حق العودة.
هذا في التصرف السوري حيال «الاشقاء العرب»، فما كان شأن العرب مع السوريين عندما اضطرهم العدوان الكوني الى النزوح عن مدنهم وقُراهم بعد ان دمرت منازلهم وحُرِقت ارزاقهم ونُهِبت وفككت منشآتهم الانتاجية المتخذة اداة لتحصيل لقمة عيشهم؟
في البدء لا يمكن ان نتجاوز مسألة اساسية، وهي ان النزوح نتيجة للعدوان على سورية، عدوان نُفّذ بقرار اجنبي ومساهمة عربية واقليمية فاعلة انخرط فيها معظم دول الجوار السوري حتى لم يتورع ايضا بعض اللاجئين الى سورية من الانخراط في هذا العدوان، الذي استُعمِلت فيه اموال العرب وإعلامهم ما ادى الى القتل والتدمير والتهجير.
لقد طالت النار التي اشعلها العدوان بشكل كلّي او جزئيّ ما نسبته 75% من الأماكن السورية المأهولة ( والبعض يذهب الى القول إنّ نسبته 95% من الاماكن المأهولة ، طبعا في الامر مغالاة لا تؤكدها الوقائع )، وكان السبب الرئيس للتهجير والنزوح عائد الى الممارسات الوحشية التي قام بها الارهابيون والجماعات المسلحة التي جاء اكثر من نصف عديدها من خارج سورية، ممارسات ضد الشعب السوري الأعزل تركّزت على القتل والتمثيل بالجثث لإحداث الرعب، إضافة إلى الاعتداء على الاعراض واغتصاب النساء والعذارى، وما اليه من وحشية منقطعة النظير.
و الان وقد وصلت الحال الى ما هي عليه من مشهد مأساوي نجد فيه اكثر من 4 ملايين سوري خارج منازلهم الاصلية، منهم ما يزيد عن النصف مليون عبر الحدود السورية الى دول الجوار الاربع، ومنهم ما يصل الى 50 الف تجاوزوا هذه الدول الى ابعد منها والباقي اي ما يناهز ال 3.5 ملايين يُعتبرون مهجرين او نازحين في الداخل، وكان الافضل حالا من الناحية المادية هو من ابتعد عن المنطقة في نزوحه والافضل حالا من الناحية المعنوية هو من بقي في الداخل السوري لكن وللاسف فإن الاسوأ حالاً من الناحتين المادية والمعنوية هم النازحون الى دول الجوار الاربع ( لبنان والاردن والعراق وتركيا ) والأفظع من حيث سوء الحالة هو من توجه الى تركيا التي اعدت له مخيمات اشبه بمعسكرات الاعتقال وسلطت عليه الزبانية من الوحوش البشرية للتجارة بالنساء.
في ظل هذا الوضع نسمع نداءات ونشهد اجتماعات لهذه الهيئة او الجامعة او تلك، يشارك فيها من ساهم اصلا في احداث المأساة. فالعرب الذين يتابكوْن على الشعب السوري هم انفسهم سبب المأساة وسبب استمرارها، وان الغرب الذي يوزع شهادات حُسن السلوك على هذا او ذاك او يحضّ على احتضان النازحين هو علة البلاء وأصله بقراره بالعدوان. وان الغرب والعرب على السواء يخيّرون السوري اليوم بين الجوع والعراء والفقر من جهة، وبين التبعية والاستعباد والاستعمار من جهة اخرى، ولأن نفس الشعب السوري تأبى الذل والمهانة وتعشق الحرية وطُبِعت على العنفوان، فان السوري لن يختار مطلقاً العرض الغربي بالعبودية مقابل لقمة الخبز لذلك، وكما ان المؤامرة فشلت من باب الارهاب والعدوان الاصلي فاننا على يقين من انها ستفشل من باب النزوح والعامل الانساني.
ويبقى مُلحّاً وواجباً اخلاقياً وشرعيا وقوميا مساعدة النازحين السوريين وفقا للاصول، مساعدة لا تكون بتباكي المجرم على الضحية ولا بذرف دموع التماسيح، كما انها لا تكون بإضافة اساءة معنوية فوق آلامهم النفسية، او عبر النأي عنهم او القاء التبعة على هذا أو ذاك بل انها تكون عبر :
معالجة الاسباب التي ادت الى تهجيرهم، وذلك بالتوقف عن دعم الارهابيين والحض على القتل والتدمير وتجفيف مصادر الارهاب.
معالجة الاوضاع الآنية بما يحفظ كرامات النازحين ، وهنا نرى ان تساهم الدول المعنية عبر هيئاتها الانسانية والاجتماعية والشعوب الحريصة على الوفاء او الشرع والاخلاق عبر لجان شعبية تشكلها لتقديم العون تحت شعار الأخوّة في العروبة او الاسلام ولنقتدِ بما كان من تآخ بين المهاجرين والانصار ان كنا فعلا مسلمين، او نقتدي بالغيرة العربية « ان كنا فعلاً عرباً وفي كل حال ينبغي العمل بصمت وسرية لمد العون من غير انتاج الضرر المعنوي .
السعي الجاد والعمل على مساعدة النازحين للعودة الى ديارهم وان لم يكن اليها بالذات فإلى مناطقهم ذاتها مع تأمين المأوى الآمن في اقرب النقاط اليها.
التوقف عن المتاجرة بقضية النازحين او اسغلالها في مآرب من تسبب بالمأساة كما شاهدنا أخيراً في «مهرجان الجامعة» الذي تحوّل الى فرصة لاعادة طرح ما أصبح بالياً وتافهاً من طروحات نبيل العربي وحمد القطري لجهة المطالبة بمعالجة القضية السورية عبر الفصل السابع في مجلس الامن، او ما سال من لُعاب المسؤول العربي هذا او ذاك على أموال تُجمع تحت عنوان إغاثة النازحين السوريين.

السابق
بطل افتراضي “انتحره” النظام الأميركي
التالي
شاكيرا وبيكي يجمعان تبرعات للفقراء