ملك الحسم بالحكمة والحنكة

بعد النقلة النوعية على الصعيد الإجتماعي في المملكة العربية السعودية والمتمثلة بالأمر الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يوم الجمعة 11 كانون الثاني/يناير 2013 ويقضي بتعديل مادتين في نظام مجلس الشورى وتعيين ثلاثين إمرأة سعودية في عضوية المجلس بما يمثل عشرين في المئة من عدد اعضاء المجلس البالغ مئة وخمسين عضواً، لا نستبعد ان يفاجئ خادم الحرمين المجتمع السعودي ذات يوم ليس بالبعيد بأنه في أول تشكيل جديد للحكومة سيختار إحدى الأكاديميات وهنّ كثرة وزيرة دولة تشارك أخوانها الوزراء جلسات مجلس الوزراء الأسبوعية التي يترأسها الملك محاطاً بولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز ودائماً تكون مثمرة. كما لا نستبعد أن نسمع أو نقرأ بأنه تمّ تعيين إحدى النساء المتميزات ثقافة وإحاطة بالتطورات العربية والإقليمية والدولية سفيرة للمملكة لدى منظمة الأونيسكو أو في إحدى العواصم لدول مهتمة بقضايا البيئة والتطوير العلمي.

وعندما نقول ذلك فعلى أساس ان الخطوة المتمثلة بإشراك المرأة السعودية في برلمان المملكة ذي الصفة التشاورية حتى الآن هي الخطوة الأكثر حساسية بالمنظور الإجتماعي المحافظ في المملكة، وعندما تحدُث هذه الخطوة فإن ما يليها لا يعود بالعسر التي هي عليه النقلات على أنواعها من قبل. كما أننا بالنسبة إلى إقحام المرأة السعودية في عالم الدبلوماسية بعد إقحامها في عالم الشورى نستحضر كلاماً سبق ان سمعنا وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل يقوله ذات مناسبة في العام 2012 وفحواه إن المرأة السعودية ستتبوأ المكان والمكانة قريباً في الخارجية السعودية.

كما اننا أيضاً وأيضاً نستحضر واقعة ذات أهمية وتتمثل في أن القمة العربية الدورية في الرياض (28-29 آذار/مارس 2007) شاركت فيها المرأة الخليجية للمرة الأولى وكانت هذه المرأة كأنها سعودية بإعتبار ان السيدة التي شاركت هي الشيخة هيا آل خليفة ابنة البحرين وجاءت مشاركتها إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون كونها وظيفياً زمنذاك رئيسة الدورة العادية للجمعية العمومية للأمم المتحدة وحضرت في الوفد الأممي إلى القمة. وهذه المشاركة كانت موضع ترحيب الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي انعقدت القمة للمرة الأولى وقد بويع ملكاً. وثمة إشارات أخرى كثيرة حدثت منذ تلك المبايعة جاءت احياناً في سياق تصريحات وكلمات أُلقيت في مناسبات كما أنها جاءت في صيغة إشراك نساء سعوديات في وفود رسمية تدليلاً من جهة على ان المرأة السعودية على طريق النقلة المأمولة وجاءت من جهة أخرى ترويضاً متأنياً للمجتمع السعودي المحافظ ولعلماء المملكة الذين لا يحبذون إعادة النظر في تقاليد موروثة وبالذات ما يتعلق بدور المرأة خارج البيت وخارج الواجب الأُسري. والقول بأنه ترويض وكثير التأني من جانب الملك عبد الله للأمر على أساس ان خادم الحرمين الشريفين لا يميل إلى النقلة الصادمة ولا يحبذ أساليب الحكام الذين يفرضون بورقة السلطة التي يملكونها الأمر الواقع على الناس، وإنما يفضل وبعد اعتماد مبدأ (وأمرهم شورى بينهم) ان يسبق القبول ساعة صدور الأمر. كما انه يراعي كل المراعاة المزاج النفسي للشعب في ضوء ما تتوصل إليه في بعض الأحيان استطلاعات للرأي حول موضوع من الموضوعات. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن احد هذه الاستطلاعات جاء يفيد بأن أكثرية المستطلَعين (بفتح اللام) ترفض بحزم مسألة ان تقود المرأة السيارة، وأن استطلاعاً آخر أفاد بأن أكثرية شبابية تتابع الفضائيات ذات النهج الديني.

وبالنسبة إلى النقلة النوعية اللافتة والمتمثلة بإختيار ثلاثين إمرأة سعودية عضوات في مجلس الشورى نلاحظ ان الإشتراطات – الضوابط بالنسبة إلى طبيعة المشاركة إنما جاءت في إطار عملية الترويض المشار إليها أي بما معناه إن الملك عبد الله بن عبد العزيز يريد القبول المجتمعي – الديني وفي غاية الإنسجام للنقلة التي يريدها. ومن أجل ذلك فإنه في الأمر الذي أصدره أدرج العبارة الآتية «…وبناء على استشارتنا لعدد كبير من علمائنا الأفاضل سواء من هيئة كبار العلماء أو خارجها الذين اجازوا شرعاً مشاركة المرأة عضواً في مجلس الشورى على هدي احكام الشريعة الإسلامية التي لا نحيد عنها قيد انملة، والتي تأسس عليها – بحمد الله – كيان هذا الوطن على يد موحِّده، الملك عبد العزيز طيّب الله ثراه». واللافت ان الملك عبد الله خص بالنسبة إلى مسألة تعيين الثلاثين إمرأة في مجلس الشورى «هيئة كبار العلماء» دون غيرهم، الأمر الذي يعني انه يريد إسباغ روحية الشرع الديني على الأمر الملكي، أو إذا جاز القول انه كرَّم بالإستشارة «هيئة العلماء» مقابل عدم وضع الأمر الملكي في ساحة النقاشات والتحفظات من هنا وهناك وهنالك من أطياف المجتمع السعودي، عِلْماً بأن ذلك حدث نتيجة ازدهار اسلوب التعبير من خلال وسائل التواصل الحديثة. بل ان الازدهار كان ملحوظاً في تويترات أطياف سعودية كثيرة بين محافظة لم ترحب صمتاً لكن حتماً بالنقلة ومتحررة تحفظت على جغرافية النقلة لجهة الجلوس والدخول والخروج والحجاب. وهذا كان واضحاً في عبارة «تلتزم المرأة العضو بضوابط الشريعة الإسلامية دون أي إخلال بها البتة وتتقيد بالحجاب الشرعي ويراعى على وجه الخصوص ان يخصَّص مكان لجلوس المرأة وكذلك بوابة خاصة بها للدخول والخروج في قاعة المجلس الرئيسية وكل ما يتصل بشؤونها. وأن تُخصَّص أماكن للمرأة تضْمن الاستقلال التام عن الأماكن المخصصة للرجال بحيث تشتمل على مكاتب مخصصة لها وللعاملات معها بما في ذلك التجهيزات والخدمات اللازمة والمكان المخصص للصلاة..».

السابق
توقعات بتراجع أسعار السلع الغذائية..هل تصل لبنان؟
التالي
أهالي النبطية اعتصموا عند مدخل المدينة إحتجاجاً على غياب الكهرباء والمياه