يا زمان الطائفية

ابني الشاب كان مشى مع جماعة الغاء النظام الطائفي في بيروت الصيف الماضي. فأصيب بضربة شمس عندما كان يستمع الى اعلان صدر عن مجموعة من السياسيين، معظمهم فشل في الانتخابات تكراراً، يطالبون باسم الطائفة الاكثر وطنية وعلمانية، باعتماد مشروع (عصري) للانتخابات، فحواه ( من غير شر) أن على كل طائفة ان تنتخب نوابها.
و مع وجع رأسه صرخ عندما عاد الى البيت، هل سمعت اعلان العربي المخضرم الاستاذ إيلي الفرزلي شو بدو؟ شقيقته علقت لا اعتقد ان هذا المشروع سيمشي فنحن في القرن الواحد والعشرين ولسنا في القرون الوسطى. قال اخوها انا اخاف ان يمشي فالوباء انتقل من الروم الى الموارنة فقللوا عقلهم واجتمعوا عند البطريرك مراراً واعلن معظمهم ان هذا المشروع يؤمّن التمثيل الصحيح وهو صالح للنقاش وربما لاعتماده من قبل المسيحيين، وكرر انا اخاف في حال اعتماده انه سيكون بداية نهاية حقيقية هذه المرة خصوصاَ ان قسماَ من المسلمين يماشي حلفاءه المسيحيين. ساندته شقيقته بقولها طبعاً فمناخ هؤلاء السياسيين عندنا يساعد على تحقيق مثل هذا المشروع الذي سينتج عنه تقسيم فعلي للبلد في حين ان الساسة الذين يعارضونه فقط لانه لا يناسب مصالحهم الانتخابية وليس الخوف على مصير البلد ووحدته. وجلسنا ثلاثتنا بعد اللقاء الثالث في بكركي برعاية البطريرك الراعي الموصوف بآرائه «المتقدمة» وبدأت الروائح تتسرب عن امكان اعتماد هذا المشروع بحجة انه يحقق صحة التمثيل والمناصفة الحقيقية. وكأن الناخب المسيحي الذي ينتخب مرشحاً مسلماً او العكس هو المشكلة وكان النائب الماروني عندما تنتخبه اكثرية مسلمة يبطل ان يكون ممثلاً للشعب.
وشدد الشاب على ان الخطر من مثل هذه المشاريع تقطع علينا السبل نحن الشباب للوصول الى بلد يسوده نظام وطني يكون فيه الناس مواطنين متساوون لا رعايا طوائف او افراد قبائل وعشائر تتطاحن باستمرار.
وتبارينا في اظهار المخاطر من وراء مثل هذا المشروع فهو سيوقعنا بأزمات اشد وأدهى مما مررنا به عندما خاضت الطوائف، بسبب الحصص، تكراراً ومراراً اسوأ انواع الحروب القبلية بقيادة مارشالاتنا السياسيين وشراكة الخوري والشيخ في قتل الناس وايقاع الخراب والدمار في البلد.
الى ذلك، يبقى ان ابرز مخاطر هذا المشروع انه سيحول لبنان الى بلد بدائي جداً وفريد من نوعه في العالم المتخلّف يتحارب فيه «ملوك الطوائف» باستمرار وحيث سيصبح النائب مندوباً عن طائفته بدلا من ان يكون ممثلا عن الشعب اللبناني كله كما ينص الدستور ثم انه سيخلق ازمة تعديل الدستور حيث ستمتد ايدي الطائفيين لشطب الفقرة الاكثر تقدماً واهمية فيه وهي ان النائب هو ممثل عن الشعب اللبناني كله. اضافة الى ان المشروع سيقضي على كل امكانية تغيير لهذا النظام الطائفي المشكو منه. وهكذا فهو مشروع لنسف كل امكانية بان يصبح اللبناني مواطناً متساوياً في يوم من الايام وان تُزال صفته الطائفية عن الهوية وتتوقف المتاجرة به وبدمائه وبصوته. كما انه تكريس وتشويه لأسوأ ما جاء في اتفاق الطائف الذي خاف فيه الطوائفيون زجّ السلطة التشريعية والمجلس النيابي في صفقة توزيع الحصص على الطوائف في الرئاسات والوظائف الكبرى في الدولة.
قال ابني: استحى الانتداب ان يفعل ما يحاول سياسيون ان يفعلوه. انهم يعكسون مسيرة التاريخ ومسيرة التطور من وضع شبه مقبول الى نظام التخلف والعشائر والطوائف والمذاهب. اجابت اخته ان هذا المشروع هو خيانة لأحلامنا نحن الشباب وضربة لطموحاتنا نحن الاجيال الطالعة.
في رأي جميع العاقلين والمتبصرين والذين قلوبهم على البلد ومستقبله ومصيره أن امكانية اعتماد اقتراح اللقاء الأرثوذكسي سيشكل صخرة كبرى يُربط بها المواطن اللبناني ويُرمى في مستنقع الطائفية ويعيدنا الى عهود ظلامية يتحول فيها لبنان الى ارض يتصارع فيها ملوك الطوائف.
ثم ان هناك عيوباً كثيرة في هذا المشرع منها ان في لبنان 18 طائفة في حين ان 11 منها فقط ممثلة في المجلس، فلماذا يُحرم ابناء سبع طوائف من حق التصويت؟ ثم ان المفارقة الكبرى وغير المساواة في هذا المشروع بيّنة وظالمة فهو يعطي لناخب من طائفة معينة حق الاقتراع لـ34 مرشحاً في حين يُعطى لمواطن آخر حق انتخاب مرشح واحد او اثنين او اكثر. وهذا ما يزيد في توسيع الشرخ بين اللبنانيين وعدم مساواتهم في الحقوق والواجبات.
غداً اذا جرت الانتخابات على اساس هكذا مشروع، لا سمح الله، سيسمع الناس ويقرأون في الخارج ما يعزي حتّى الشعوب المتخلفة. سيسمعون النتائج التالية:
أ‌- فاز عن قبيلة الموارنة الرئيس السابق والنائب السابق والوزير السابق والبيك والخوري والمطران الفلاني ونال كل منهم اصواتاً مارونية صرفة.
ب‌- فاز عن قبيلة السنّة دولة الرئيس ومعالي الوزير وفضيلة الشيخ ورائد السلفية بفضل الاصوات السنية الحنيفة.
ت‌- فاز عن عشيرة الشيعة عطوفة الرئيس ومعالي فلان وفضيلة وسماحة المشايخ العلماء ونالوا الاصوات الهاشمية الصرفة.
ث‌- فاز عن قبيلة الارثوذكس نائب الرئيس فلان والارشمندريت فلان ونالوا اصوات مستقيمي الراي الذين نُسب اليهم هذا القانون ظلماً وحراماً.
وهكذا عن عشائر الدروز والكاثوليك مروراً بالأرمن وفروعهم والانجيليين والاقليات والعلويين، والف ضربة سخنة سيكتمل نقل اللقاء الأرثوذكسي بزعرور دعم الحلفاء من الطوائف الاخرى وبمباركة من بكركي التي وُصفت اخيراً بأم المواقف المتقدمة.
ختاماً، ان مثل هذا المشروع لا يؤمّن صحة التمثيل المسيحي بل يؤمّن مصالح السياسيين المسيحيين، لان مصلحة المسيحيين تكمن فعلا عند ازالة جميع الحواجز بينهم وبين شركائهم في الوطن… انه مشروع السم في الدسم…
ثم والله نحن في القرن الواحد والعشرين وعيب يا جماعة..

السابق
لا كهرباء في الشرقية وكوثرية السياد
التالي
رونالدو: أريد إنهاء عقدي مع ريال مدريد