وغداً والٍ على دمشق، ووالٍ على..

عدنا…

وغداً والٍ على دمشق، ووالٍ على بيروت، ووالٍ على طرابلس. أما ولاية عكا فقد ذهبت الى سلطان آخر لا يستطيع مولانا الجديد ان يمس شعرة في شاربيه او شعرة في قدميه…

نستذكر ما قالته مادلين اولبرايت منذ اشهر من ان الولايات المتحدة التي تخشى ان تتقاطع فيها الهاوية المالية مع الهاوية الاستراتيجية قد تعتمد اكثر على الوكلاء الاقليميين في الشرق الاوسط في بعض العمليات الحساسة، ولكن لتلاحظ ان طموحات البعض قد تتجاوز او تخترق الدور المناط بهم بحيث يمكن ان يفضي ذلك الى تقويض دراماتيكي لقواعد اللعبة!

كان واضحاً ما ترمي اليه وزيرة الخارجية السابقة. وها ان اسطنبول تعيّن والياً على السوريين. في هذه اللعبة المعقدة اين يمكن ان يفترق البعد الانساني عن البعد السياسي، تماماً كما كان بول بريمر في العراق، ها ان فيصل يلماظ في سوريا، مع ادراكنا التام ان صلاحياته تتعدى، بالضرورة، صلاحيات احمد معاذ الخطيب وجورج صبرا وكل تماثيل الشمع التي تم تصنيعها في المطابخ الاقليمية والدولية، وان كنا نعترف بوجود شخصيات ذات صدقية اخلاقية وسياسية واكاديمية، ولكن ما يتناهى الينا حتى من داخل الائتلاف الوطني يكاد يكون مذهلاً بالنسبة الى عدد من المشاركين الذين حملتهم خلفيات مشبوهة وصفقات وولاءات الى الالتحاق بركب المعارضة…

احدهم الذي وجد نفسه داخل تلك الحالة قال لي «لا شك انك تعرف الكثيرين من هؤلاء، وانا اتمنى عليك ان تسمّي لي شخصاً واحداً منهم يصلح لقيادة سوريا ما بعد بشار الاسد؟».

لو طرح علينا السؤال الآن لقلنا يلماظ باشا. السوريون ثاروا من اجل الحرية ومن اجل العدالة وحتى من اجل الخبز، لكن كل هذا اضحى من الماضي. الآن، تقسيم سوريا الى ولايات قد تتداخل ذات يوم مع ولايات لبنانية وعراقية واردنية، فما يكتبه او ما يقوله باحثون اميركيون لا يدع مجالاً للشك في ان خارطة المنطقة ستشهد سلسلة من الهزات المتلاحقة، حتى ان برنت سكوكروفت، وهو مستشار سابق للامن القومي، يوحي لنا بتصدعات مثيرة في الشرق الاوسط، ودون ان تحصل التجزئة في سوريا او في العراق او في اي بلد آخر على اساس طائفي او مذهبي فقط، إذ ان من مصلحة القوى الاقليمية والدولية ان تحطم حتى الاكثريات في هذه المنطقة لمصالح لا علاقة لها بالعرب ولا بمستقبل العرب…

انهم يتحدثون عن صراع القوى بين تركيا وايران، وبعدما بدأ الروس يتحدثون عن «تطمينات بعيدة المدى» قدمتها انقرة لتل ابيب إن حول الانظمة البديلة وعلاقاتها الاستراتيجية (اخذاً بالاعتبار النموذج المصري)، او حول الملف الفلسطيني الذي ستتم معالجته، وفي الوقت المناسب، وفقاً للرؤية الاسرائيلية ودون المس بالواقع التوراتي الذي يتم توسيعه، وتكثيفه، على الارض بعدما لاحظنا ردة فعل العرب، وهي تتعدى الفضيحة فعلاً، حيال قيام حكومة بنيامين نتنياهو حتى بتجاوز قرار المحكمة العليا وتفكيك قرية « باب الشمس» التي كانت، في الحقيقة، باباً الى الامل فإذا بها تتحول بين ليلة وضحاها الى مأساة تكشف هشاشة العرب التي ليست حديثة العهد على الاطلاق، بل والاهم هشاشة من نصبّوا انفسهم اوصياء على العرب…

لاحظوا اي عراق تلاحظوا اي سوريا، ولاحظوا اي سوريا تلاحظوا اي لبنان. ذاك الدومينو الذي، وكما ترون، يمشي الى الوراء باتجاه ان نتحول جميعاً الى ولايات، وعلى كل ولاية باشا يتم استحضاره من الارشيف العثماني إياه الذي، لشدة بداوتنا، ما زلنا نلجأ اليه لنتعرف على بعض من تفاصيل تاريخنا…

عدنا الى النير إياه. حقاً اربعة قرون لا تكفي. لكن الايقاع اكثر تعقيداً من ان يرسم في هذه الدولة الاقليمية او تلك، اذا ما اخذنا بالاعتبار ما قاله هنري كيسنجر (وقد نقل الينا هذا الكلام الديبلوماسي الاميركي المستعرب جورج بول في الثمانينات من القرن الماضي) من ان ازمة الشرق الاوسط ولدت مع الازل وتموت مع الازل…

كرة النار هذه، بأبعادها اللاهوتية والتاريخية، اشد هولاً من ان تمسك بها اي دولة حتى ولو كانت الولايات المتحدة بعدما كان زبغينو بريجنسكي قد قال في بدايات القرن الحالي انه «لا يمكن لجنودنا ان يبقوا هناك لان الكثيرين في الشرق الاوسط يعتقدون ان الطريق الى الفردوس ينبغي ان يمر، ولاسباب ايديولوجية غامضة، بجهنم».

اذاً، والٍ على السوريين، ونحن نعلم كيف عومل الضباط السوريون الذين انشقوا ولجأوا الى تركيا، كما نعلم ما هو موقف الجيش السوري من اي خطة، اياً كان مصدرها، لوضع اليد على بلادهم، ودون ان نتطرق الى حساسية، وخطورة، الانذارات، التي وجهت الى من يهمهم الامر…

والمشكلة ان اياً من العرب لا يريد ان يعترف بأن استمرار السياق الحالي للاحداث سيزيل سوريا، كدولة، من خارطة المنطقة، كما لا يريد ان يقرأ تقارير استخبارات غربية لم تعد سرية في اي حال حول عشرات المحاولات التي بذلت من الخارج، ان عبر التعبئة المذهبية او عبر الاغداق الخيالي للمال، لحمل الجيش على تنفيذ انقلاب عسكري، وكلها باءت بالفشل…

اذاً، ما هو البديل الذي ينقذ ما يمكن انقاذه من سوريا (وربما من العرب)؟ مرة واحدة لتثبت المعارضة السورية انها صاحبة القرار، وانها ضنينة بالدم وبالتراب السوري. الطاولة المستديرة مطروحة، وهنا شكل الطاولة ينطوي على دلالة عميقة، والا الدوران الى ما لا نهاية في دوامة الدم و…الدمى!

السابق
صفقة سورية_سعودية لإطلاق المخطوفين
التالي
فرنسا خضعت للابتزاز الاميركي