الهرب من قانون لتحسين التمثيل الوطني

مشكلة قانون الانتخاب أن المطلوب منه أكبر مما يمكن أن يفعله أي قانون وأية انتخابات في لبنان، وعلى العكس مما تحدثه الانتخابات في البلدان الديمقراطية. فالانتخابات في العالم الديمقراطي، كما رآها الكسيس دو توكفيل، هي ثورات دستورية، وكل جيل هو شعب جديد. أما الانتخابات في لبنان، وقد مارسناها على مدى عقود، فانها لقطع الطريق على أية ثورة دستورية، ولدفع الجيل الجديد لأن يكون نسخة من الشعب القديم. والجديد هذه المرة، ليس فقط التصرّف كأننا ذاهبون الى الانتخابات للمرة الأولى بل أيضا كأننا ذاهبون للمرة الأخيرة الحاسمة في تقرير المصير. ولا فقط لأن الصراع على السلطة هو المسار الطبيعي. بل أيضا لأن هذا الصراع مصحوب بأوهام الغلبة في بلد التسويات.
والكل يعرف، وان كان يكابر، ان الأرجحية في السلطة ليست ضمانا لحل القضايا الخلافية، ولا للانفراد بالحكم إلاّ موقتاً وبقوة تطغى على نتائج الانتخابات. فكيف اذا كانت التركيبة السياسية حريصة على حراسة النظام؟ وكيف اذا كان النظام الطائفي في أعلى مراحل الافلاس والعجز حتى عن ادارة أزماته العادية قبل الحديث عن حلّ الأزمة البنيوية التي تكاد تصبح النموذج والحل في المنطقة؟

ذلك ان الطابع الغالب على النقاش هو تحسين التمثيل المسيحي في واقع الخلل الديموغرافي ومضاعفات الصراع المذهبي في المنطقة ضمن الصراع الجيوسياسي على المشاريع والنفوذ فيها. وهو مطلب دقّت ساعته باعتراف الجميع، أقلّه في الخطاب المعلن. لكن تحسين التمثيل المسيحي هو طرف في معادلة طرفها الآخر تحسين التمثيل الاسلامي. وهما معاً لن يبدّلا كثيراً في الوضع المأزوم من دون أن يكونا في اطار أهمّ هو تحسين التمثيل الوطني.
والسؤال، خارج الشعارات العمومية، هو: كيف نحسّن التمثيل في نظام مريض؟ بعلاج من جنس المرض أم بعلاج للشفاء منه؟ بالانتقال من فيديرالية الطوائف الى فيديرالية المذاهب أم بالسير المتدرّج على الطريق الذي رسمه الطائف عبر مجلس نواب من خارج القيد الطائفي ومجلس شيوخ يمثّل الطوائف والمذاهب؟ واذا كان الحل الوطني صعباً في أيام التشنّج، فما هي أثمان الحل الذي عنوانه تمثيل التشنّج بشكل كامل؟
الجواب سهل اذا كنّا نريد بناء دولة. وسهل أيضا اذا كنّا نريد البقاء في مرتبة ما دون الدولة. وليس أخطر من الهيمنة والتهميش سوى فوضى الانعزال والتطرّف في كل المذاهب. والأخطر منهما معاً ان نعجز عن خيار ثالث يجب أن يكون الأول، هو خيار التمثيل الوطني.

السابق
سليمان يرفض بيضة القبّان الجنبلاطية
التالي
لا كهرباء في الشرقية وكوثرية السياد