إلى الأرثوذكسيين: المناصفة لن تدوم!

يعرف المسيحيون في لبنان انهم اقلية في محيط عربي واسع يشكّل المسلمون، ولا سيما السنّة منهم، الأكثرية الساحقة فيه. وساورتهم الهواجس أكثر من مرة على مصيرهم، وخصوصاً في ايام المحن والفتن والاقتتال لكنهم كانوا دائماً يعودون الى عدم التصرّف كأقلية. ويشكر كثيرون منهم الله على عدم إقامتهم بعد استقلال لبنان نظاماً أقلوياً كان متاحاً لهم، لأنهم لو فعلوا ذلك لكانوا انتهوا اليوم. إذ ما من اقلية تستطيع ان تحكم الى الأبد. وهذا ما يبدو ظاهراً للعيان منذ بزوغ فجر "الربيع العربي"… القاني. طبعاً لا يعني ذلك ان المسيحيين اللبنانيين، لم يرتكبوا اخطاء فادحة في اثناء قيادتهم دولة لبنان بمشاركة ضعيفة تنامت لاحقاً من المسلمين. وكان ابرزها إحجامهم عن تعزيز العيش المشترك بالمساواة الحقيقية بين ابناء الوطن الواحد رغم تعدُّد طوائفهم والمذاهب، وعدم اعترافهم بأن ارجحيتهم الديموغرافية انتهت. وأدى ذلك الى مطالبة المسلمين بإجراء احصاء سكاني شامل ورفض المسيحيين له. هذه الاخطاء وأخرى كثيرة حوّلت النظام اللبناني الطائفي "موقتاً" (المادة 95 من الدستور) طائفياً دائماً. فهو قام في البداية على ما يشبه نظام الحزبين اللذين يضمُّ كل منهما في صفوفه لبنانيين من كل المذاهب والاديان والطبقات (الكتلة الوطنية والكتلة الدستورية). لكنه انتهى وبالتدريج الى انقسام بين المسلمين والمسيحيين والى اقتتال دام نحو 15 سنة. انتهى الاقتتال الى وضع اسوأ هو الانقسام المذهبي الذي لم يلغ الانقسام الطائفي بل همَّشه لأن الديموغرافيا المرجحة مالت صوب المسلمين. في اي حال لا يرمي هذا الكلام الى اعتبار مسيحيي الامس علمانيين او لاطائفيين. فمعاناتهم القديمة والحديثة جعلتهم في اعماقهم يخافون دائماً طغيان المسلمين عليهم أو تذويبهم اياهم، وخصوصاً في ظل إصرار غالبية المسلمين في مرحلة الصعود الاسلاموي الحالية على المزج بين العروبة والاسلام، الامر الذي يحوّل المسيحيين جسماً غريباً.
لكنه يرمي الى دعوة المسيحيين المنبهرين بالمشروع "الارثوذكسي" الى التبصّر لأنه سيكرّسهم اقلية معرّضة دائماً للتهميش وربما للتصفية بالهجرة او بغيرها ومن دون ان تجد حامياً لها. والانطلاق فيه من ثابتة وردت في اتفاق الطائف وهي المناصفة في عدد النواب والوزراء وفي مناصب الفئة الاولى في الادارات العامة ليس في محله لسببين. الاول، ان "الارثوذكسي" يأخذ لبنان حتماً كصيغة وكنظام وكدولة في اتجاه مناقض للاتجاه الذي اراده "الطائف". والثاني، ان حماية المناصفة لا احد يستطيع ان يضمنها رغم صدق الشهيد رفيق الحريري عندما أكّد: "ان الطائف أوقف العدّ"، ورغم صدق نجله سعد الحريري في تبني هذا الموقف. ذلك ان التطور الديموغرافي هو الذي سيحدد مصير المناصفة سلباً او ايجاباً وخصوصاً إذا لم ينجح اللبنانيون في الانتقال من دولة الطوائف فالمذاهب الى دولة المواطن. فالمسلمون لن يقبلوا بالتأكيد مناصفة بعد 20 او 30 سنة إذا انخفض عدد المسيحيين على نحو دراماتيكي. ولن يلومهم احد على ذلك حتى في مجتمعات العالم المتقدم.
ماذا عن المسلمين شيعة وسنّة؟ وهل تصرفوا كأقلية أو كأكثرية منذ استقلال لبنان قبل نيف و69 سنة؟
لم يتصرف الشيعة كأقلية في لبنان المستقل، علماً انهم كانوا كذلك قبل الاستقلال وتحديداً قبل انهيار السلطنة العثمانية. بل كانوا والسنّة واحداً تقريباً رغم خلافاتهم الضاربة في التاريخ. وساهم في وحدتهم عاملان. الاول، تصاعد شعورهم معاً بالغبن على يد المسيحيين. والثاني، بروز القومية العربية وصعودها وتبنّيها قضية فلسطين. لكن حرب لبنان بما انتهت اليه من هيمنة نظام الأسد وهو حليف ايران ذات المشروع غير العربي المذهبي للعالم العربي ومن حاجته الى فريق لبناني يكون سنداً له في وجه الاخرين جعلت من الشيعة وهم طائفة كبيرة وكيلاً للنظام المذكور. أثار ذلك مع الممارسات والتوجيهات السورية خوف السنّة وغضبهم فصار هدفهم الضمني التخلص من سيطرة الشيعة. وانتقلت المذهبية عند المسلمين من الباطن الى الظاهر. وأتت تطورات السنتين الاخيرتين لتصفهما كما كل السنّة والشيعة في العالم العربي والاسلامي في مواجهة بعضهم بعضاً، علماً ان الشيعة كانوا أكثر حرماناً سياسياً من السنّة في لبنان. أما الحرمان الاجتماعي والاقتصادي فكان متساوياً بينهما في غير منطقة. والمسيحيون لم يُستثنوا منه. وعلماً ايضاً ان حرمانهم كان سببه قادتهم في حينه وإن جزئياً.
هل يحل "الارثوذكسي" مشكلة التمثيل النيابي؟ وما هو البديل الافضل منه؟

السابق
محاولات لعقد اجتماع لأقطاب قوى “14 آذار” باءت بالفشل
التالي
اسراب السمك تجتاح البحر في صور