المشروع المشبوه لن يمر!

من الظلم الكبير للطائفة الأرثوذكسية أن يُنسب لها هذا المشروع الانتخابي الانتحاري، والمدمّر لعلاقات العيش الوطني، والمصير الواحد بين اللبنانيين.
ومن الظلم الأكبر للمسيحيين أن يُروّج لهذا المشروع التقسيمي بالتلاعب على أوتار العصبيات الطائفية والمذهبية، وتحويل اللبنانيين إلى جماعات مذهبية متناحرة، تحت شعار: تصحيح التمثيل المسيحي!
وليس مستغرباً أن تبادر مرجعيات دينية وقيادات سياسية مسيحية، إلى إعلان رفضها لهذا المشروع المشبوه، تأكيداً لالتزامها الوطني والمصيري في الحفاظ على أسس العيش المشترك بين اللبنانيين، والحرص على كل ما يُعزّز تماسك الجبهة الداخلية، ولا سيما في مرحلة العواصف السياسية الجامحة التي تجتاح العديد من دول المنطقة.
ولعل من حسن حظ لبنان الوطن والرسالة، أن يسارع البطريرك بشارة الراعي إلى تدارك الوقوع في المحظور، والدعوة إلى اجتماع طارئ للقيادات المارونية، بهدف لملمة تداعيات ما سمي «التوافق الماروني على المشروع الأرثوذكسي»، وإعادة تصويب البوصلة المارونية بما يؤمّن «التوصل إلى قانون انتخاب يؤمّن أفضل تمثيل وعدالة وسلامة لكل الطوائف اللبنانية»، الأمر الذي يُؤكّد ما نقلته «اللواء» يوم الجمعة عن سيّد بكركي بأنه مع مشروع لبناني وطني لا أرثوذكسي ولا ماروني!
أما براءة الطائفة الأرثوذكسية من المشروع – التهمة المنسوب زواً إليها، فقد أكدها مطران بيروت الأغرّ الياس عودة بإعلان رفضه هذا المشروع، وعدم قبوله والطائفة الأرثوذكسية بأي مشروع لا يحفظ العيش المشترك بين اللبنانيين («اللواء» – الجمعة 10/1/2013).
وجاء رفض القيادات والشخصيات السياسية المسيحية للمشروع، والتي عبّر عن موقفها الشيخ بطرس حرب في مؤتمره الصحفي الواضح والصريح، ليؤكد بأن الوعي الوطني المسيحي يبقى أكبر من محاولات التغرير بالمسيحيين بشعارات فضفاضة، تدّعي حفظ الخصوصية والاستقلالية، ولكنها في الواقع تقودهم إلى مزيد من التقوقع والعزلة في الداخل، وإلى تنشيط حركة الهجرة إلى الخارج، على غرار ما حصل للأجيال التي نُكبت بسنوات الحرب المريرة، تحت شعارات مثل «المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار»، و «حالات حتماً»، وحرب التحرير العونية ضد السوريين، وحرب الإلغاء بين عون وجعجع، والتي انتهت جميعها إلى سلسلة من الهزائم والمآسي، دفع الوجود المسيحي في لبنان ثمنها غالياً.
فهل تجوز العودة إلى مخاطر المغامرات السياسية، والتلاعب بمصير البلاد والعباد في حفلة من المزايدات الانتخابية الرخيصة؟

ليست هي المرة الأولى التي يُطرح فيها شعار: تصحيح التمثيل المسيحي. ففي انتخابات 2009 كان هذا الشعار حاضراً بقوة، وأدى تجاوب القيادات الإسلامية معه إلى التخلي عن نظام «دائرة المحافظة»، أو الدائرة الكبيرة، والعودة إلى دائرة القضاء، أو الدائرة الصغرى، وفق تقسيمات قانون الستين الذي وُضع في عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب، مع بعض التعديلات الطفيفة، على ضوء الزيادة التي طرأت على عدد النواب: من 99 إلى 128 نائباً.
ولكن فرحة عون بـ «استعادة حقوق المسيحيين»، حسب خطابه الانتخابي المعروف، لم تكتمل، لأن قانون الستين لم يؤمّن له، ولفريقه السياسي الأكثرية المنشودة في المجلس النيابي الجديد، والتي حازت عليها قوى 14 آذار، بفارق أصوات معدودة!
فكان لا بدّ من البحث عن تقسيمات انتخابية تؤمّن الأكثرية لفريق عون و8 آذار، ولو أدى الأمر إلى الخروج عن النصوص الدستورية والأعراف الوطنية، فكان هذا المشروع التقسيمي الذي حاول إضفاء اللون الأرثوذكسي عليه، وإلباسه جلباباً مسيحياً متزمتاً، سارعت الكنيسة إلى التبرّؤ منه!
لا نذيع سراً إذا قلنا بأن هذا المشروع المشبوه لن يمرّ!
والموقف الجريء الذي أطلقه الرئيس ميشال سليمان في رفض المشروع، واعتباره مخالفاً للدستور وللميثاق الوطني، استقطب حوله التفاف الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، المتمسكين بصيغة الوطن – الرسالة، والرافضين لمشروع البلد – الدكانة!
لم يعد الوقت يسمح بخوض السجالات السياسية لتنفيذ مخاطر هذا المشروع على الصيغة والدولة والكيان، وقبلهم على المسيحيين في لبنان.
وتكفي الإشارة إلى السلبيات التالية لندرك إلى أين يمكن أن تقودنا مثل هذه المشاريع الملغومة ضد الوحدة الوطنية، وضد الوجود المسيحي، وضد الاستقرار والسلام في لبنان.
1 – يُسقط مبدأ المساواة بين المواطنين الذي نص عليه الدستور، لأن الناخب الدرزي مثلاً ينتخب ثمانية نواب فقط ، في حين ان الناخب السني ينتخب 28 نائباً وكذلك الشيعي، وكذلك حال التفاوت بين المذاهب المسيحية!
2 – يُخرج اللبناني من رحاب المواطنية الواسعة إلى مزرعة المذهب الضيّقة، لأن الناخب والنائب يصبح شغلهما الشاغل ما يهم المذهب، لا الطائفة ولا المنطقة، ولا الوطن.
3 – يقطع التفاعل بين مكونات المجتمع اللبناني، ويُطلق العنان للمزايدات المذهبية، ويُؤسس لتفتيت النسيج الوطني، ويزرع بذور حروب داخلية لا تنتهي.
4 – مخالف لنصوص الدستور وبنود الميثاق الوطني التي تؤكد على كل ما يجمع بين اللبنانيين، وتشدّد على أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
5 – يُعرّض المناصفة التي كرّسها الدستور والميثاق للخطر، على اعتبار أن بنود الطائف وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة أو للمراجعة الاستنسابية.
بقيت كلمة…
إن إسقاط هذا المشروع المشبوه لا يعني توقّف البحث عن قانون انتخاب يحقّق صحة التمثيل المسيحي يُشارك الجميع بصياغته، ويحوز الإجماع المنشود!

السابق
أديل: أشعر وكأنني ميريل ستريب
التالي
جودي فوستر: انا مثلية