مَن يخشى تنامي القوة الوسطية: حزب الله أم تيار المستقبل؟

القوة الوسطية حالة باتت هدف الكثيرين ممن يعتبرون انفسهم إما متضررين من الاصطفاف السياسي، الفارض نفسه كأمر واقع على الساحة اللبنانية منذ عام 2005، وإما انهم ضاقوا ذرعاً بهذه الثنائية التي صارت هي المحور الأساس وصار الباقون، شاؤوا ام ابوا، أجراماً في فلكه. ولم يعد خافياً ان الوسطية معادلة مرنة لا معنى ايديولوجياً او عقائدياً او حتى سياسياً لها، مع ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كان اول من سعى وفي وقت مبكر الى تأصيلها ايديولوجياً عبر اكثر من مؤتمر عقده لهذه الغاية واستحضر اليه اسانيد فقهية، واكاديميين ومفكرين ليوجدوا لها اطارا اعم واشمل.
وبناء عليه فان القوة الوسطية في هذه الحالة اللبنانية اقرب ما تكون الى حالة انقاذ للحظة سياسية، لا يرتاب احد في انها لحظة مأزومة و"متشرنقة". لذا فان الذين يشجعون على استيلاد القوة الوسطية وفرضها على المسرح السياسي، شاؤوا في المعنى الأبعد، امرين اثنين أحدهما معلن والآخر مخفي:
– المعلن: ان تجتذب اليها تدريجاً شخصيات وقوى جديدة، بشكل معلن وخفي في آن خصوصاً عشية الانتخابات النيابية إن حصلت او غداة اجرائها.
– المخفي: أن تساهم القوة الوسطية مع مرور الوقت في سحب البساط من تحت اقدام بعض مكونات القوتين الاساسيتين وبالتحديد "التيار الوطني الحر" الذي توقفت المحاولات لتقليص حضوره في الشارع المسيحي. وعليه يصير السؤال الآتي مشروعاً وهو الى اي مدى تخشى القوتان الاساسيتان في 8 و14 آذار اي "حزب الله" وتيار "المستقبل" من تنامي الظاهرة الوسطية وتحولها قوة استقطاب على المستوى السياسي العام وقوة فصل على مستوى الحكم؟
الثابت حتى الآن ان كلا الطرفين لم يجعل من مستقبل هذه الظاهرة السياسية همه الأكبر، ولا سيما ان الامر ما زال في طور التكوين وولادته رهن بالكثير من الحسابات والمعطيات التي تكاد تستوي فرص توافرها او عدم توافرها.
ومع ذلك فان كل فريق بدأ يضع في حساباته امراً لم يكن وارداً قبل مدة، وبالتالي صار يتعامل معه على اساس انه عنصر من عناصر تكوين اللوحة السياسية العامة.
الذين هم على تماس مع دوائر التخطيط والتقرير في "حزب الله" لا يجدون عندها حالة هلع ورعب من هذا "المحتمل" رغم انه في جانب من جوانبه يتقصد اذية الحزب او على الاقل هز قواعد ارتكازه من خلال السعي الى "تخسير" حليفه الأبرز اي "التيار العوني" بعض مقاعد نيابية له في المناطق ذات الثقل المسيحي.
والامر بالنسبة الى الحزب مبني على قراءة وتجربة تتكئ على الأسس الآتية:
– لم يعتد الحزب ان يلعب لعبة اما ان يكون قابضاً بالمطلق على السلطة او يكون في دائرة "المصيبة" كما سواه من القوى السياسية فهو اعتاد العيش بعيداً عن لعبة السلطة اعواماً عدة، ثم اعتاد التعايش مع آخرين في السلطة ولم يطمح لتكون له الإمرة.
– ان الحزب اعتاد ان يتقن خصوصاً في الآونة الاخيرة لعبته "البراغماتية" السياسية والتعايش حتى مع خصوم في السلطة.
– ان الحزب لا يعتبر نفسه في حالة "احتراب" او عداوة مع اولئك المتقدمين الى صدارة الوسطية بل ثمة اطمئنان الى مستقبل العلاقة معهم وخصوصا ان له معهم تجربة سياسة وحكم مستمرة منذ نحو عامين اتسمت بقدر كبير من الايجابية والتعايش.
– ان الحزب لا يخفي اطلاقاً أنه ليس من اولئك الذين تشغلهم لعبة السياسة اليومية، بل هو صاحب استراتيجيا معروفة مستعد دوماً لبذل الكثير من التضحيات في سبيلها، وعليه فانه في العمق يعي ان ثلاثي الوسطية الذي اعلن عن نفسه اخيراً في قصر بعبدا وحتى اولئك المحتملين ليسوا من المعادين للسلاح المقاوم وللمقاومة كمفهوم وثقافة كسواهم.
– وعليه فاذا انطلق في لحظة ما قطار الوسطية وصارت له كينونة وازنة ومؤثرة، فالحزب يستطيع أن يجد فيها حضناً يقيه هجمة فريق 14 آذار الضارية، ويجد فيه أيضاً نوعاً من كابح لشهوة هذا الفريق المفتوحة على استرداد الحكم.
– لذا فالحزب لا تتملكه الخشية والهواجس من بروز القوة الوسطية، وهو الذي لن يتخلى في الوقت عينه عن حلفه مع العماد عون وعن دعمه المطلق له.
– وبالعموم يرى الحزب في الوسطية حالة تتسم بالمرونة وتستطيع ايجاد المشتركات مع الجميع وهذا أمر ينشده الحزب دوماً، فهو يسعى بالاصل الى ايجاد قنوات تواصل حتى مع الخصوم وكانت حاله هذه مستمرة الى أن شهر تيار "المستقبل" سيف العداوة المطلقة له وأقفل قنوات التحاور نهائياً معه، علماً بأن الحزب يعتقد انه حاول حتى اللحظة الاخيرة التوصل الى اتفاق مع هذا التيار.
وعلى رغم أن "المناخات" السائدة حالياً تنطلق من اعتقاد ان الدافع الى استيلاد القوة الوسطية هو العمل على تقليص حضور 8 آذار في المعادلة انطلاقاً من فكرة ان الوسطية ستأكل من صحن العماد عون في أولى محاولاتها لاثبات حضورها وانطلاق قطارها، فإن ثمة من يدرك تمام الادراك ان تيار "المستقبل" ليس من المهللين لهذا المولود السياسي الذي يوشك على الولادة.
فبين ثلاثي هذا الجنين السياسي أحد الذين ناصبهم التيار العداء وهو رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي وضعه "المستقبل" أحياناً كثيرة في خانة الخصم الالد كونه قَبِل بتأليف حكومة "حزب الله" ورضي بالدفاع عنها وناضل لاستمرارها حين رفع التيار المذكور شعار اسقاطها وترحيلها فوراً خصوصاً في الشهرين المنصرمين.
ومع أن تيار "المستقبل" لم يضع ثالث اضلاع الوسطية، أي النائب وليد جنبلاط، في خانة الخصوم، إلا انه يعي في الوقت عينه أن جنبلاط يجد في الوسطية ملاذاً وفي العلاقة مع ميقاتي مركب نجاة وخلاص، وبالتالي يصير "ثمن" التعامل معه (أي مع جنبلاط) أعلى سعراً.
وإذا كان صار معلوماً ان تيار "المستقبل" يعتبر مفتاح حضوره السياسي هو امساكه بمقاليد الحكم، وليس في موقع الشريك أو المعارض، فهو يدرك تمام الادراك ان القوة الوسطية لم تتكون الا لتكون في ذؤابة الحكم، وعلى الاقل لتكون "شريكاً" مضارباً لتيار "المستقبل" في لعبة الحكم، ولاسيما ان الهدف الاساس لهذا التيار كسب الأكثرية النيابية لتعود اليه رئاسة الحكومة التي يعتقد انه فقدها في غفلة من الزمن.   

السابق
عندما يصبح سمير جعجع شريكاً لرستم غزالي!
التالي
الفدرالية تتقدّم على رؤوس أصابعها