الجيش في اللبنانية: آخر الدواء الكي

لا يستبعد مطلعون احتمال عودة العشيرة بصورة تدريجية (هيثم الموسوي)
استعادت الجامعة اللبنانية أمس جزءاً من هيبة فقدتها العام الماضي، بإمساك الجيش زمام الأمن فيها، بعد رفع التغطية السياسية عن المخالفين. قرار مرّ في صرح علمي، لكنه بالنسبة إلى المتابعين «أهون الشرّين»

كوثر فحص, حسين مهدي
لم يكن أحد يعلم متى ستأتي الساعة الصفر، لكن خطوة دهم استخبارات الجيش اللبناني مجمع الجامعة اللبنانية في الحدث وإقفال كافيترياته كانت متوقعة بين لحظة وأخرى، بل إنّ الأحزاب السياسية انتظرت الخطوة ونسقت لحصولها، بعدما نزعت غطاءها السياسي عن قوى الأمر الواقع «المحتلة» لمرافق حيوية في المجمع. أما الدهم، فحصل بأمر من قيادة الجيش وبناءً على برقية رسمية تسلمتها الأخيرة من رئاسة الجامعة قبل أن يعلّق في المكان ملصق كتب عليه «يمنع فتح الكافيتريا إلّا بإذن من قيادة الجيش». العشائريون كانوا على علم بأنّ ذلك سيحصل عاجلاً أم آجلاً. وعلمت «الأخبار» أنهم توسطوا لدى الأحزاب في الأسبوع الماضي، لكن من دون جدوى.

فالقرار السياسي اتخذ بأن يكون هذا المجمع حرماً جامعياً «عن جد»، إذ لم يعد أحد قادراً على تغطية التجاوزات في مكان بات أبعد ما يكون عن صرح أكاديمي.
هكذا، أتت الخطوة بعد تسيّب أخذ كل مأخذ من فضيحة الطعام الفاسد إلى النراجيل وبيع الهواتف الخلوية وغيرها من التجاوزات بحق الجامعة وطلابها (راجع: http://al-akhbar.com/node/171549). وشمل الدهم أيضاً كافيتيريا الفنون والهندسة، اللتين تبين أنهما مخالفتان، إذ إن عقد الشركة التي تسلّمت إدارة مطاعم الجامعة «أبيلا» انتهى مع بداية هذا العام، لكن بعض العاملين استمروا في استثمارهما بطريقة غير شرعية، متمثلين بتجربة العلوم التي حققوا فيها نجاحاً اقتصادياً كبيراً.
بدأ النهار الأمني بضرب طوق على مدخلي الجامعة، وتفتيش الطلاب والتدقيق في بطاقاتهم الجامعية، ومنع من ليس له صلة بالجامعة، أو من لا يملك ترخيصاً لركن سيارته هناك من دخول الحرم الجامعي.
وكانت قيادة الجيش قد أمهلت المخالفين مهلة 48 ساعة لإخلاء الجامعة. هؤلاء أقفلوا الكافيتيريا منذ الصباح الباكر وحاولوا إخراج ما استطاعوا من تجهيزات، لكن محاولتهم باءت بالفشل. وقد لاحظت القوى الأمنية خلال دخولها الحرم سيارة مسرعة تحاول الفرار إلى مكان مجهول، كان بداخلها م. ز، أحد رموز العشيرة. أما الجديد في العملية فهو اكتشاف مكاتب في كلية الحقوق جرى الاستيلاء عليها بالتعاون مع أ. ض، موظف في الكلية ومساهم أساسي في افتتاح قسم بيع وصيانة الأجهزة الخلوية في كافيتريا العلوم.
وشرح مسؤول أمني فضّل عدم ذكر اسمه أن هدف الدهم «بسط سلطة الجيش على المجمع»، مشيراً إلى أنّه ضُبطت ممنوعات رفض التصريح عن طبيعتها. اللافت أنه لم يُلقَ القبض على أي من الموظفين أو من أفراد العشيرة المذكورة. ولفت مدير المدينة الجامعية نزيه رعيدي في حديث لـ«الأخبار» إلى أنّ إدارة الجامعة طلبت الاستعانة بالقوى الأمنية لوقف كل أشكال المخالفات التي سيطرت على المجمع في السنتين الأخيرتين، وسيعاد افتتاح كل المطاعم التابعة للجامعة بعد إجراء مزايدة لتلزيمها. وقد جرى، خلال إخلاء كافيتيريا العلوم، تفاوض بين الضابط المسؤول عن العملية وكل من رعيدي ومسؤول في حركة أمل في محاولة لإبقاء «فان» صغير بالقرب من الكافيتيريا تعمل فيه سيدة كانت تدير المطعم مع والدها أبو علي، وكانت العشيرة قد استخدمته لبيع بعض المنتجات منذ سنتين، قبل استيلائها على المطعم، لكن الضابط المسؤول رفض التفاوض مطلقاً، وجرى سحب «الفان» إلى خارج الجامعة عن طريق رافعة أُحضرت إلى المكان، لينسحب بعدها رعيدي ممتعضاً ولحقه المسؤول في حركة أمل الذي أبدى تعاطفاً مع السيدة.
أما أبو علي، كبير العشيرة، فحاول إقناع القوى الأمنية بأنه هو من كان يقود السيارة ولا دخل لولده، مستعطفاً القوى الأمنية ومهدداً بحرق نفسه، وخصوصاً أنهم كانوا يريدون مصادرة ما تبقى من سلع ولحوم داخل المطعم. ورغم شتمه الدولة اللبنانية والضابط المسؤول بيد أن أياً من العناصر لم يتعرض له، وقد نجح بكسب الوقت إلى أن أتت شاحنة صغيرة لآل زعيتر لنقل ما تبقى.
وقد أكد مصدر مطلع لـ«الأخبار» أن تسليط الضوء الإعلامي على القضية أدى إلى عقد اجتماعات أمنية بين الأحزاب وإدارة الجامعة والأجهزة الأمنية، جرى التأكيد فيها على رفض الأحزاب تغطية أي مخالف أو خارج على القانون. وطالبت الاجتماعات أجهزة الدولة بالتدخل لحسم الموضوع في أقرب وقت ممكن. لكن الأحزاب هي المحرك الأساسي للعشيرة، بحسب المصدر. يعلّق: «صحيح أنّ الأحزاب تنكر بمسؤوليها التربويين والسياسيين أي دعم لهذه المافيات، لكن الحلقة المفقودة التي يبحث عنها الجميع تكمن في مسؤول نافذ يدعى أ.ب. يعطي الضوءين الأحمر والأخضر قبل أي تحرّك». ويضيف: «قد نشهد تدخّلاً للجيش أو القوى الأمنية في الجامعة، لكن بفضل الغطاء السياسي الذي يتمتع به هؤلاء، لا يستبعد احتمال عودتهم لاحقاً بصورة تدريجية بأمر من هذا المسؤول، ويبقى ذلك رهناً بالأيام المقبلة». لا يتعلق الأمر بالنارجيلة فحسب، يقول المصدر، مشيراً إلى أنّ «بعض الأفراد الذين يملكون غطاءً سياسياً صدرت بحقهم مذكرات توقيف بتهمة تعاطي المخدرات أو حتى القتل، والأنكى أنهم موظفون يقبضون رواتب من الجامعة». ويلفت المصدر إلى أنّ مصالح مشتركة تجمع كل الأطراف المعنية، كي يطول السكوت إلى هذا الحد. ويرى أنّه «ليس لائقاً إدخال السلاح إلى مرفق أكاديمي، وأنّ الحل يكمن في التشديد على مداخل الجامعة، بالتنسيق بين الأطراف التربوية والحزبية المعنية».
وكان المسؤول التربوي المركزي في حركة أمل د. حسن زين الدين، قد نفى في حديث أجرته معه «الأخبار» قبل أيام، أن يكون هناك «غطاء سياسي لنرفعه، فنحن لم نوفره لهم أصلاً، ولم نتبنَّهم يوماً». ويكشف عن تأليف لجنة لإدارة الحرم الجامعي في السابق ولم تقم بواجباتها في متابعة المشكلة. كذلك يعزو سبب حدوث المخالفات إلى الفراغ الأمني في البلد عموماً وفي الحرم خصوصاً. بدوره، رفض مسؤول التعليم العالي في حزب الله عبد الله زيعور «إلقاء المسؤولية على الأحزاب أو مطالبتها بالتدخل، فهي لا تتمتع بأي صفة أمنية داخل الحرم ووجودها تربوي بحت، وبما أنّ المسألة تتعلق بمرفق رسمي، فعلى الدولة وحدها إيجاد الحلول».
وتعليقاً على عملية الدهم التي استهدفت الجامعة أمس، وصف أحد عمال الكافتيريا من أفراد العشيرة ما حصل بـ«الافتراءات»، رافضاً التصريح بأي موقف بحجة أننا «ننتمي إلى تيار سياسي وقد مُنعنا من التحدث إلى الإعلام بهذا الشأن». لكن التيارات السياسية رفضت تغطيتكم؟ يجيب: «هذا فوق الطاولة، أما تحت الطاولة، فكلام آخر».
قد تكون قيادة الجيش نجحت في إعادة ما سلب من الجامعة اللبنانية، وشعر الطلاب للمرة الأولى بفرحة عارمة، لكن في ظل عدم إلقاء القبض على المخالفين، هل ستستطيع إدارة الجامعة منع تكرار هذا النوع من التجاوزات، وفرض سلطة القانون والنظام على كامل الحرم الجامعي؟

السيد حسين: القرار «كويّس»

بدا رئيس الجامعة اللبنانية د. عدنان السيد حسين (الصورة) مرتاحاً لخطوة قيادة الجيش اللبناني بفرض الأمن في المجمع الجامعي في الحدث، بطلب من الجامعة. «ما حصل كويّس»، قال في اتصال مع «الأخبار». ولفت إلى أنّه أمر طبيعي أن يقمع الجيش المخالفات، مؤكداً أنّ الأوضاع الأمنية ستكون مستقرة وكذلك كل الأعمال الجامعية، ولن يخاف أحد شيئاً، ما دام الجميع سيكون تحت القانون. وفي وقت لاحق، أصدر المكتب الإعلامي للإدارة المركزية بياناً أشار فيه إلى أنّ «الجيش اللبناني قام بطلب من الجامعة بحماية المطاعم في مدينة الرئيس الحريري الجامعية، بعدما انتهت المهلة الزمنية المحددة في عقد استثمار هذه المطاعم، وتداركاً لأي أمر قد يحصل من خلال وضع اليد على أحد هذه المطاعم، وريثما تجري عملية إعادة التلزيم، وخصوصاً أنّ الإدارة المركزية أعدت دفتراً للشروط لإعادة تلزيمها مجدداً». وأكد المكتب أنّ «الدراسة والأعمال الجامعية ستستمران بصورة اعتيادية في المجمع».  

السابق
عودة بطل 
التالي
أي مساواة تريدون؟!