أخوَنة مصر المستحيلة

نجح "الإخوان المسلمون"، في سرقة ثورة يناير. القوى الثورية الحقيقية لم تكن بعد مستعدة، كما الخوف من طغيان "العسكر" واستلامهم السلطة. وكأن ثورة لم تقع لقصر الفترة الانتقالية، ما حرم القوى الأخرى غير "الإخوان" من تنظيم أنفسهم وخوض الانتخابات من موقع مختلف ومستعد للمفاجآت. أيضاً الخوف من عودة "الفلول" مع أحمد شفيق أجبر كل القوى على الرضوخ بعدما خيّرت بين الكوليرا والطاعون كما أصبح معروفاً. لكن يبقى ما هو أهم والذي لم يتم تداوله كما يجب ربما لنجاح "الإخوان" في رفع منسوب حملة "كربلائية" لا تنتهي حول عمليات القمع التي طالتهم طوال ستين سنة .
الواقع والوقائع تؤكد أن ملاحقات أمنية طالتهم بقوة خلال العهود الماضية لكن للأمانة أيضاً، وهو ما أثبتته تطورات ما بعد ثورة يناير، إن هذه الحملات لم "تتسورن" يوماً، بمعنى أنه لم تتم ملاحقتهم الى درجة إعدام أو إدخال أي فرد الى السجون حتى ينساه أهله لمجرد استماعه الى خطبة لشيخ غير مجاز من الأمن أو الاستماع الى شريط مسجل لداعية معروف بمعارضته للنظام. فرغم أن نشاطهم كان سرياً وناشطاً إلا أن الإخوان نجحوا في المشاركة بالحياة السياسية، حتى أنهم دخلوا البرلمان في زمن "المباركية" بقوة وليس رمزياً. أما القوى الأخرى الموزعة على مختلف أطياف المجتمع المصري، خصوصاً القوى الناصرية، فقد لوحقت من الرئيس "المؤمن" أنور السادات. كما أن حملة واسعة نفذت بالتضامن والتكافل مع الغرب والعرب لتشجيع القوى الإسلامية للتمدد "حتى النهاية الطبيعية" وهي أن يلتهم "الغول" من رباه ومنها اغتيال السادات وانضمام مجموعات كبيرة الى من أطلق عليهم في زمن الاحتلال السوفياتي اسم "المجاهدين" والذين أصبحوا إرهابيين ضد الغرب ولكن ضررهم طال الشعوب العربية خصوصاً في العراق.
"شراهة" الإخوان للسلطة قادتهم الى العمل لاحتكارها والإمساك بمفاصلها بهدف إحداث تحول تاريخي وليس مؤقت، وفي هذه "الشراهة" تكمن "عقدة أخيل". إقرار دستور مفصل على قياسهم، والتحضير للهيمنة على السلطة التشريعية بعد التنفيذية، قسّم مصر الى معسكرات متأهبة ومتواجهة بدلاً من أن تكون موحدة. لأن مصر بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى للوحدة في مواجهة استحقاقات سياسية واقتصادية ملحة وضرورية. ذلك أن الأزمة الاقتصادية عميقة الجذور وليست ابنة اليوم. فما تحتاجه مصر فعلاً سياسة اقتصادية تقوم على خطة طويلة الأجل وتستند الى مرتكزات تعتمد تعددية المصادر، أما الحصول على مساعدات وهبات وودائع فإنها ليست إلا جرعة "أسبرين" لمرض يحتاج الى الكثير من العلاج والمضادات الحيوية. الرئيس محمد مرسي يعرف الآن أكثر من غيره بعد أن تعرف على أسرار الدولة المصرية حاجات مصر، وعليه اليوم تأمين الخبز الى نحو مليوناً، وأن يضع في حسابه أن العدد سيرتفع في السنوات الست القادمة الى مليون فم.
من حق مصر لا بل من واجبها الآن قبل الغد أن تعود الى مقدمة العمل العربي. خروج مصر من دائرة القرار العربي وإلاقليمي أضعف هذا القرار ودفع قوى غير جديرة أن تتقدم وتأخذ دوراً أكبر منها. ومن واجب الرئيس محمد مرسي أيضاً أن يقود سياسة مصرية وليس سياسة "إخوانية". فارق كبير جداً بين السياسيتين. الأولى تخدم مصر والعرب وتقويهم، والثانية تضعف مصر والعرب معها. لذلك فإن كيفية تعامل الرئيس مرسي مع الدوائر الثلاث التي تحكم السياسة المصرية وهي: العربية والأفريقية والدولية يحدد خياراته الاستراتيجية. من ذلك أن وقوفه مع الثورة في سوريا يجب أن يكون قوياً لكي تنتصر الثورة وليس لكي يفوز الإخوان بالسلطة، لأن سوريا ليست مصر وتركيبتها معقدة، وعليه الدفع نحو تعزيز الوحدة الوطنية السورية وليس تعزيز التطرف الديني الذي يضعها اليوم على حافة الحرب الأهلية. أيضاً إن إعادة العلاقات مثلاً مع إيران لا يجب أن تكون للضغط على الإمارات العربية مثلاً لأنها اعتقلت مجموعة من الإخوان المصريين الناشطين، وإنما لخدمة قضايا إقليمية مشتركة مهمة واستراتيجية.
كل قرار يأخذه الرئيس محمد مرسي من الآن وحتى نهاية ولايته سيترك بصماته على مستقبل مصر، وبطبيعة الحال على الإخوان المسلمين. يستطيع مرسي أن يدفع نحو "أخونة" النظام، لكنه في النهاية سيخسر ومعه الإخوان فرصة تاريخية. يجب ألا ينسى الإخوان أنهم مع السلفيين الذين عاشوا ونموا في أحضان "السلطة المباركية"، يمثلون أقل من نصف الشعب المصري، وأنهم لا يستطيعون إلغاء قوى المجتمع المدني، ولا تهميش الأقباط والاكتفاء برعايتهم وكأنهم أهل ذمة وليسوا من قلب وادي النيل. العرب بحاجة لمصر، ومصر بحاجة للعرب. لكن قبل هذا وذاك، مصر بحاجة لكل أبنائها لتقوم وتنهض، ولذلك فإن أي سياسة تعمل على "أخونة" مصر هي ضد التاريخ وضد مصر.
  

السابق
الفدرالية تتقدّم على رؤوس أصابعها
التالي
عودة بطل