الفيتو السني يحرج الأرثوذكسي.. ميثاقيا

تواجه القوى الداخلية امتحاناً صعباً يتمثل في محاولة وضع قانون للانتخاب، بالاتكال على القدرات الذاتية الى حد كبير، بعدما كان «الخياط الخارجي» يتولى سابقاً تفصيل البزة الانتخابية وحياكتها، ثم تصديرها الى «عارضي الأزياء» السياسية والطائفية في البلد.
هذه المرة، تبدو الأطراف الإقليمية والدولية الوازنة منشغلة بالأزمة السورية وتداعيات «الربيع العربي»، بحيث بات لبنان تفصيلاً ضمن المشهد الكبير للمنطقة، أو «رصيف انتظار» في مرحلة انتقالية غامضة.
وإذا كانت انتخابات 2009 قد تمت برعاية اتفاق الدوحة، وانتخابات 2005 برعاية دولية، وانتخابات 2000 و1996 و1992 برعاية سورية، فإن الانتخابات المقبلة تبدو حتى الآن من دون حضانة خارجية مباشرة، واضحة المعالم، في انتظار التوازنات التي سيفرزها المخاض السوري.
وفي هذا الوقت المستقطع، يحاول اللبنانيون ان «يخترعوا» وصفة سحرية ما لانتخاباتهم النيابية المقبلة، فكان مشروع الحكومة(النسبية في 13 دائرة) ومشروع مسيحيي «14 آذار» (خمسون دائرة وفق النظام الأكثري) ومشروع «اللقاء الأرثوذكسي» (كل مذهب ينتخب نوابه)، إضافة الى مشروع ناجي البستاني والمشروع القديم ـ الجديد الذي يحمل اسم فؤاد بطرس.
ومن الواضح ان حقل التجارب هذا مهدد بأن يتحول إلى حقل ألغام، في حال استمر الاستعصاء على التوافق، علماً أن صيغة «اللقاء الأرثوذكسي» بدت حتى الآن الأقدر على خلط الأوراق في أوعية الاصطفافات الداخلية، وإرباك بعض التحالفات.
ويمكن القول إن «المشروع الأرثوذكسي» وضع حزبي «الكتائب» و«القوات اللبنانية» في عنق الزجاجة، فهما لا يستطيعان التراجع عنه لأنهما سيخسران الشارع لمصلحة العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، كما لا يستسهلان الاستمرار في دعمه حتى النهاية لأنهما سيخسران الحليف الاستراتيجي، الرئيس سعد الحريري.
والأرجح أن «الكتائب» و«القوات» سيصرخان أولاً في معركة عض الأصابع مع عون وفرنجية، لا سيما أن «حركة أمل» و«حزب الله» أراحا كثيراً شريكهما المسيحي بإعلانهما عن تأييد ما يقرره انتخابياً، حتى لو كان الأمر يتعلق بمشروع «اللقاء الأرثوذكسي»، في حين أن «تيار المستقبل» يجاهر بمعارضته لهذا المشروع، ما يضع «الكتائب» و«القوات» في مواجهة التحدي الصعب، وهو التوفيق بين مزاج الشارع المسيحي ومقتضيات التحالف السياسي مع الحريري.
والى جانب الاختبار المسيحي، يعترض «المشروع الأرثوذكسي» حاجز الموقف السني، خصوصاً في حال قرر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والرئيس عمر كرامي عدم تأمين أي تغطية لهذا الطرح، إذ يكونان بذلك قد التقيا مع الحريري، بحيث يغدو من الصعب حينها تجاوز مفاعيل الإجماع السني على الرفض، لأنه يصبح ترجمة لموقف الطائفة بمجملها تقريباً، وأي قفز فوقه سيكون بمثابة خرق للسقف الميثاقي.
أما شيعياً، فإن «حركة أمل» و«حزب الله» ذهبا حتى أقصى الحدود الممكنة في تقديم التسهيلات لعون وفرنجية، ولو على حساب طموحهما بقانون انتخاب عصري وغير طائفي، لإدراكهما أن المعركة الحقيقية هي على الساحة المسيحية وأن الأولوية يجب ان تكون لتحسين شروط المواجهة التي يخوضها «التيار الحر» و«المردة» ضد قوى «14 آذار».
ويعتبر الرئيس نبيه بري أن مشروع «اللقاء الأرثوذكسي» هو تعبير عن القلق المسيحي الذي لا يقتصر على لبنان، وإنما يطال كل دولة عربية تضم مواطنين مسيحيين، معتبراً أنه من الخطأ النظر الى المشروع بشكل منفصل عن السياق العام الذي أتى فيه، وعن البيئة الطائفية والمذهبية المتوترة التي تحيط به.
ويرى رئيس المجلس النيابي أن القلق يجمع المسيحيين في سوريا ومصر وفلسطين والعراق، انطلاقاً من التجارب المريرة التي عاشوها ولا يزالون، وهذا ما يجب أخذه بعين الاعتبار عند مقاربة «المشروع الأرثوذكسي»، لفهم دوافعه وأبعاده، بمعزل عن الموقف المبدئي لكل منا حياله.
ويلفت بري الانتباه الى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي بشر به الاميركيون منذ سنوات، يأخذ طريقه للتنفيذ، وبأيد عربية للأسف، منبهاً الى أن المنطقة تواجه خطر «سايكس ـ بيكو» جديد، تتبدى ملامحه من خلال الصراعات والانقسامات التي يشهدها الكثير من الدول العربية.
ولئن كان البعض توقع أن يحرج توافق «الرباعي المسيحي» على مشروع «اللقاء الأرثوذكسي» رئيس الجمهورية ميشال سليمان، إلا ان أوساطاً مقربة منه تحذر من أن هذا المشروع ينطوي على خلل كبير في الروح الميثاقية ويتناقض مع الدستور ومفهوم العيش المشترك، مشيرة الى أن الرئيس سليمان، المؤتمن على وحدة البلاد، لا يستطيع أن يتغاضى عن هذه المخاطر الكبرى.
وتعتبر الأوساط أن كون المشروع حظي بموافقة «التيار الحر» و«المردة» و«الكتائب» و«القوات» لا يعني أن رئيس الجمهورية مضطر الى مجاراته، فقط لأنه ماروني، فهو ليس رئيساً للمسيحيين ولا يقارب هذا الملف الحساس انطلاقاً من انتمائه الطائفي، بل يتصرف على أساس أنه يمثل كل لبنان ومؤتمن على ضمان الشراكة الوطنية، وبالتالي فإنه ينظر الى المناصفة من زاوية تكاملها مع الشراكة.
وتشير الأوساط الى أن النائب يمثل الأمة جمعاء بموجب «اتفاق الطائف»، الذي نص أيضاً على تشكيل مجلس للشيوخ يلحظ التمثيل الطائفي المباشر، متسائلة عما إذا كان يجوز تقزيم النائب واختزاله بمذهب، وكأن المطلوب تحويل مجلس النواب الى مجلس شيوخ.
وتنبه الأوساط الى أن مشروع «اللقاء الأرثوذكسي» يلحق ضرراً بالبلد، لأن من شأنه تكريس الشرخ المذهبي وشرعنته، وصولاً الى أن يعتاد عليه اللبنانيون، بحيث يصبح أمراً طبيعياً في ثقافتهم وأدبياتهم، مشيرة الى أن من الوهم الافتراض أنه يخدم المسيحيين، والأصح أن هذا المشروع أشبه بـ«حقنة مخدر» تخدّر ألمهم، لكنها لا تعالج أسبابه.
وتؤكد الأوساط أن رئيس الجمهورية ليس بصدد مصادرة دور السلطة القضائية أو التشريعية، وهو سيتعامل مع أي مخالفة للدستور استناداً الى صلاحياته وقناعاته.

السابق
تمريرةَ الأسد الى طهران
التالي
جميل السيد قرر الترشح منفردا في البقاع بالإنتخابات النيابية المقبلة