الغنم والغرم

دهمتنا هذا الأسبوع العواصف الثلجية التي ضربت لبنان. هذه العاصفة الطبيعية، وفي وقتها وزمانها، لم تفاجئنا فنحن في كانون الثاني – وقد حلّ الشتاء – ولسنا في أيلول مثلاً كي لا تكون البلاد على استعداد لاستقبال الأمطار الغزيرة في المدن والمناطق الساحلية، والثلوج في الجبال. لكن من غير الطبيعي أن تكون البنية التحتية في البلد غير مؤهّلة لاستيعاب ما هو من طبيعتها، ليس في القرى والجبال فحسب بل في المدن أيضاً، ولا سيّما العاصمة بيروت.
فما الذي يجعل نفقاً لا يتجاوز أمتاراً مغلقاً أمام السيارات، وأوتوستراداً تعلق فيه مختلف أنواع الآليات، ويغرق المشاة وسط السيول التي يفيض بها؟ وما الذي يجعل شوارع بيروت العاصمة مصيدة للسيارات والمواطنين، غير الإهمال المتمادي والإدارة الفاسدة، ومن يدفع تكلفة الأضرار والخسائر البالغة، ومن جيب من سوى جيب المواطن المحبط؟
بالتأكيد، لا تنتظر الطبيعة حلّ خلافاتنا السياسية، بل تأخذ دورتها الطبيعية، ولكن من غير الطبيعي الإهمال المزمن الذي يستوطن البلد ويواكب الحكومات التي مرّت على السلطة منذ عام 2005، وقبلها حين قيل إن جزءاً يسيراً من الدين العام هو بسبب ارتفاع أكلاف إعادة تأهيل البنى التحتية. وليس الإهمال هو المسؤول فحسب، بل الفساد أيضاً الذي يواكب الإدارات، في ظل الحمايات الطائفية والمذهبية، وما نشهده اليوم هو أحد تداعيات الفساد في الإدارة على الناس والأعمال.
وأعجب ممن يعتبر أن هذه الظاهرة خاصة بهذه الحكومة أو تلك، وينسى أن المشكلة تكمن في العقلية التي تدار بها البلاد، وهو نهج يعتمد بشكل أساسي على المحاصصة في الإدارة، أو ما يمكن أن نسميه «الغُنم» في الحكم فيما لا يبقى للمواطن سوى «الغُرم».
يا للأسف، جاء ترتيب لبنان عام 2012 بين الدول الخمسين الأكثر فساداً في العالم! لا غرابة في ذلك ما دامت الحمايات الطائفية والمذهبية هي الحاكمة في الإدارة، أما المؤسسات الرقابية فهي إما ملغاة وإما مهمّشة، أو يجري تحويل القيّمين عليها إلى محميّين بدورهم من طوائفهم، ومختارين أصلاً من السياسيين القائمين على الطوائف والمذاهب.
الأسوأ هو حين يدبّ الخلاف حيال موظف هنا أو موظف هناك لأسباب سياسية، وليس لسلوك هذا الموظف أو تقصيره في أداء عمله، فيجري استدعاء طائفته بأمها وأبيها لحمايته، ولا يفضّ الاشتباك السياسي سوى تقاسم المغانم في ما بين الأفرقاء السياسيين – الطائفيين في غياب أي حمّية للدولة والمؤسسات. وهكذا يجري استقطاب الناس على أساس الطائفة والمذهب، لتبرير أسباب محاسبة فلان أوعدم محاسبة آخر، في وقت تفيض المياه في شوارع بيروت، ودع عنك السؤال عن أحوال عكار والشمال وصيدا والإقليم والجنوب، ومختلف دساكر لبنان وحاراتها البعيدة. ويبقى الاستقطاب الطائفي والمذهبي هو وراء تخريب المؤسسات وانهيار البنية التحتية للبلاد، وكل تداعيات ذلك على الاقتصاد. والأشد نكاية هو أن هذا النهج وهذا الاستقطاب، مضافاً إلى الخطاب الطائفي اللعين هو الذي يولّد التطرّف ويستولد المتطرفين، فيصبح الأمن الضحية الكبرى داخل هذه المعادلة.
نحن في حزب الحوار الوطني دعَوْنا مراراً إلى التحوّط تحاشياً للوصول بالمؤسسات إلى الهاوية. ولطالما شدّدنا على أن تجنيب المؤسسات كأس الفساد المر، يتطلّب اعتدالاً في القرار والمعتدلين في مراكزه، وحذّرنا تكراراً من الانزلاق إلى فخ التطرّف. لكن الفرصة لا تزال قائمة سواء في اختيار قانون للانتخاب عادل من خارج القيد الطائفي، أم في ممارسة المواطن حسن الاختيار يوم الاستحقاق الانتخابي في حزيران المقبل. وقبل أن يجد لبنان نفسه على لائحة الدول الفاشلة!
وكل شتوية ولبنان واللبنانيين بخير.

السابق
صورة لأولاد الهضبة الأربعة
التالي
العاصفة تنحسر.. والمواطنون يناشدون الدولة إغاثتهم