أميركا تتصالح مع المنطقة

يأتي الاجتماع الثلاثي المرتقب بين نائب وزير الخارجيّة الروسي ميخائيل بوغدانوف ونظيره الأميركي وليم بيرنز والموفد العربي – الدولي الى سوريا الأخضر الإبراهيمي في جنيف، متزامناً مع حركة اتصالات نشطة ما بين إيران وتركيا ومصر، ونشر صواريخ "الباتريوت" على الحدود التركيّة – السوريّة، والانتخابات الوشيكة الحصول في إسرائيل، الى التعيينات الجديدة في الإدارة الأميركيّة، وهي المفصل الأهم، كونها تعكس توجهات السياسة الخارجيّة لإدارة الرئيس باراك أوباما في ولايته الثانية.

إن المرشحين الثلاثة الذي اختارهم أوباما: الديموقراطي جون كيري في وزارة الخارجيّة، والجمهوري تشاك هيغل في وزارة الدفاع، وجون برينان في وكالة الاستخبارات المركزيّة، هم من العسكريّين السابقين، ومن المقربين اليه. يعرف كيري الشرق الأوسط، وسبق له ان اجتمع الى الرئيس بشّار الأسد أكثر من مرة، ومن المعجبين "بالتعايش السلمي" على طول الحدود السوريّة – الإسرائيليّة، ومن كبار محبّذي سياسة ضرب الإرهاب، وله وجهة نظر خاصة في "تطبيع" الملف النووي الإيراني.

ويعكس اختيار هيغل لوزارة الدفاع رغبة عليا في استمرار سياسة "التقشف" التي بدأها روبرت غيتس عندما وضع خطة انسحاب القوات الأميركية من العراق، واستمر في منصبه خلال ولاية الرئيس أوباما الأولى لاستكمال المهمة، واستقال بعد خروج آخر جندي أميركي، ليأتي ليون بانيتا، ويستكمل تقليص النفقات العسكريّة برويّة، والإعداد لسحب "المارينز" من أفغانستان. ويأتي هيغل ليُكمل ما بدأه روبرتس، وبانيتا، ومهمته حصر النفقات قدر الممكن والمستطاع، والإشراف على تنفيذ انسحاب 66 ألف جندي أميركي من أفغانستان بحلول العام 2014.

ويأتي ترشيح جون برينان لمنصب مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة (سي آي آي)، ليعكس تصميم الإدارة الأميركيّة على مكافحة الإرهاب، ذلك أن الرجل من الشخصيات المقرّبة للرئيس أوباما، وكان مستشاره لمكافحة الإرهاب على مدى سنوات الولاية الأولى، وهو من رسم سياسة الإدارة في مكافحة الإرهاب، وخدم لفترة 25 عاما في وكالة الاستخبارات المركزيّة، وقاد مكتب الوكالة في السعوديّة خلال فترة تفجير أبراج الخبر في العام 1996، وكان من أبرز الداعمين لتقنيات التعذيب في معتقل غوانتانامو، والرأس المخطط لسياسة تنفيذ عمليات الطائرات من دون طيار في باكستان، وأفغانستان، واليمن، والصومال.

إن الدوافع الداخليّة لهذه الترشيحات هي اقتصاديّة بحتة، هدفها حماية سياسات أوباما الماليّة، والعمل على تضييق الفجوات الواسعة حيالها ما بين الجمهوريّين والديموقراطيّين، ومواجهة الديون التي تجاوزت الـ 16 تريليون دولار. أما الدوافع الخارجيّة فستظهر طلائعها تباعا في الشرق الأوسط، وانطلاقا من الأزمة في سوريا، وما يعدّ للمنطقة. وللسناتور هيغل تراث سياسي معروف، سبق له أن انتقد الحرب الإسرائيليّة على لبنان في العام 2006، وعندما أصبح سناتوراً أبعده الجمهوريّون بسبب انتقاده الحرب على العراق، وله مقارباته الخاصة لمعالجة الملفات في المنطقة، رفض سابقاً المحاولات للتورط عسكريّاً في سوريا او في إيران، ومقاربته للملف الإيراني واضحة، عارض محاولات ضربها، ودعا الى مفاوضات مباشرة معها، وانتقد العقوبات الدوليّة المفروضة عليها.

أما في ما يتعلق بسوريا، فسبق أن أيّد أوباما بعدم التورّط عسكريّاً، واعتبر أنّ تسليح المعارضة يساهم في زيادة العنف، وتوسيع دائرة التداعيات السلبية من دون أي هدف واضح، وعارض التوجّه نحو فرض منطقة حظر طيران فوق سوريا لأنه يؤدي، برأيه، الى التزام أميركي كبير غير معروف النتائج. ونظراً لحجم المشاكل المالية والاقتصاديّة الداخلية في بلاده، تصبح برأيه الحاجة الى حلّ ديبلوماسي في سوريا أكثر إلحاحاً.

إن هذه التوجهات لهيغل وردت في أيار الماضي، وهو لا يرى "أن مهمّة أميركا او جيشها التدخّل ضد نظام هنا، او إطاحة نظام هناك"، وإن الجيوش، بنظره، "بُنيت للقتال ولكسب الحروب، لا لإعادة وَصل أشلاء دول فاشلة.

لا تستطيع أميركا فرض الديموقراطية على أيّ دولة، أيّاً يَكن هدفنا النبيل".لقد حرص أوباما وهو يعلن ترشيح هيغل كوزير للدفاع على القول: "إنه قائد تستحقه قوّاتنا"، وإنه "أول جندي، وأول مصاب خلال حرب فيتنام يقود البنتاغون"، وأشار الى أن هيغل يدرك أن "الحرب ليست فكرة مجرّدة، نحن نذهب الى الحرب فقط عندما يكون الأمر ضروريّا".

وتقضي الموضوعية النظر الى محادثات جنيف الثلاثية، من خلفيات هذه الترشيحات الجديدة في الإدارة الأميركيّة، ويصبح الأمل كبيرا في التوصل الى حلول وانفراجات، إذا ما نجح الثلاثة في بلوغ مناصبهم.

السابق
سيل ليجرف دولة العفن!
التالي
الحياة: أصوات مسيحية مستقلة ترفض الأرثوذكسي والتجاذب حوله يعطل اجتماع اللجنة البرلمانية