ماذا يعني مصطلح اللاجئين السوريين؟

وسط جدل لغوي بين مصطلحي «نازح سوري» أو «لاجئ سوري»، يدفع لبنان ثمن الارتجالية في التعاطي الرسمي مع هذا الملف حتى بلغ عدد من لجأ الى أراضيه أكثر من 180 ألفاً لغاية نهاية الأسبوع الفائت، بحسب أرقام المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، من دون إغفال حقيقة ما تردده بعض المصادر الرسمية من أن هذا الرقم قد يكون مضاعفاً، فيما بشر الموفد العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي ببلوغ عدد النازحين من سوريا الى دول الجوار عتبة المليون لاجئ هذه السنة.
وفي موازاة الاستفاقة الرسمية اللبنانية المتأخرة على قضية النازحين السوريين بعد مرور 22 شهرا على اندلاع الأزمة السورية، استجابت الأمانة العامة للجامعة العربية لطلب الحكومة اللبنانية دعوة وزراء الخارجية العرب للاجتماع في القاهرة يوم الأحد المقبل للبحث في مساعدة لبنان في هذه المسألة.
أبعد من «الصحوة» الرسمية، فإن الدوائر المعنية في الأمم المتحدة وفي السفارات والبعثات الديبلوماسية الغربية في لبنان تستخدم في أحاديثها وتقاريرها الرسمية مصطلح «اللاجئ» (أي Refugee) وليس «النازح»(أي Displaced)، والفارق كبير بين المصطلحين وينمّ عن مقاربة دولية متقدمة لهذا الملف الشائك تتخطى بأشواط التعاطي الرسمي اللبناني البطيء والمتردد مع ملفّ متفجر، أدخلته بعض الأحزاب السياسية اللبنانية في خضم «البورصة الانتخابية» منذ اليوم.
ليس تفصيلاً استخدام تعبير «لاجئ»، وهي صفة يحملها من ينطبق عليه تعريف الاتفاقية الدولية لشؤون اللاجئين التي اعتمدها في 28 تموز 1951 مؤتمر الأمم المتحدة للمفوضين بشأن اللاجئين وعديمي الجنسية، التي لم يوقع عليها لبنان مسكوناً بهاجس اللاجئين الفلسطينيين، لكنّ لبنان التزم بتطبيق آلياتها بحسب الأعراف الدولية «وهي أقوى من القانون، وتندرج أيضاً ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المذكور أيضاً في الدستور اللبناني»، بحسب ديبلوماسي لبناني بارز، مشيراً الى أن «لبنان يطبق أحكاماً للجوء موجودة في اتفاقيات مختلفة، منها اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب والعهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية».
أما «النازح» فهو «لا يرتقي بالتوصيف الى مستوى لاجئ، ولا يتمتع بتنظيم واضح لأوضاعه التي تحكمها إجراءات داخلية في الدولة المضيفة أو عبر اتفاقية ثنائية بين دولتين، وفي حالة لبنان الاتفاقية الثنائية مع سوريا المتعلقة بانتقال الأفراد ودخول البضائع»، على حد تعبير الديبلوماسي نفسه.
وإذا كانت الدولة اللبنانية لم توقع اتفاقية العام 1951 فإنها أوكلت مهمة «تصنيف» من ينزح الى أراضيها الى «المفوضية العليا في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» عبر توقيع مذكرات تفاهم معها، وهي هيئة أممية تعترف وتطبق أحكام اتفاقية شؤون اللاجئين عام 1951. وقد عمدت المفوضية المذكورة، بحسب أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأميركية الدكتور شفيق المصري، «الى تسجيل الآتين من سوريا في سجلاتها، ما أكسبهم تلقائياً صفة اللجوء». لافتاً النظر الى أن الحكومة اللبنانية «لم تتنبّه منذ البداية الى هذا الأمر كون المفوضية المذكورة تطبق شروط اللجوء المذكورة في اتفاقية العام 1951».
بناء عليه، يفترض بهذه الهيئة الأممية أن ترعى شؤون اللاجئين المسجلين لديها ضمن ثلاث قواعد رئيسية تتضمنها اتفاقية 1951 هي، بحسب ما يذكّر الدكتور شفيق المصري: أولاً، الاهتمام بأوضاعهم في الدول المضيفة من استقبال، إيواء وحماية، ثانياً، عدم ردّهم الى بلدانهم، أي عدم ترحيلهم، وخصوصاً في ظل استمرار ظروف اللجوء، وثالثاً أن تسعى الدولة، في حال طالت الظروف، إلى إعادة ترحيلهم الى دولة ثالثة أو تسهيل عملية توطينهم في الدولة المضيفة.
ويرى المصري أنه «كان من الأفضل ألا تسجّل المفوضية المذكورة اللاجئين كي لا يفلت زمام التحكم بهم من يد الحكومة اللبنانية، التي كان عليها أن تنشئ «هيئة طوارئ» تابعة لها تسجلهم ضمن الشروط التي تضبط دخولهم وإقامتهم، أما اليوم فإن هؤلاء هم لاجئون مسجلون رسمياً لدى المفوضية المذكورة وتطبق عليهم اتفاقية عام 1951 ولا يمكن للحكومة اللبنانية ترحيلهم إلا إذا تسببوا بمشكلات جدّية».
«لا يمكن للبنان اليوم إلا طلب المساعدة المادية من الدول الصديقة، وهذا جلّ ما يمكن أن يطلبه لبنان في الاجتماع الوزاري العربي المقرر الأحد المقبل في القاهرة»، بحسب الدكتور المصري، لافتاً الانتباه الى أنه لو حرصت الحكومة اللبنانية على تنظيم الموضوع منذ بدايته لما غرقت اليوم بتوافد أعداد لا يمكن حصرها البتة، في حين أن الدول المجاورة، أي الأردن وتركيا عمدت الى تحديد العدد الذي تريد استقباله»، بحسب المصري.

إمكان الترحيل الى دولة ثالثة

أمر آخر يمكن أن يطلبه لبنان في الاجتماع الوزاري العربي هو، بحسب النائب الدكتور غسان مخيبر، «التماس التعاون الدولي والعربي مع لبنان لأن حالة اللجوء حالة معقدة وغير ثابتة، وأي دولة مضيفة غير ملزمة بإبقاء اللاجئين على أراضيها بشكل دائم»، مشيراً الى أنه بالإضافة الى المساعدات المالية فإن عدم قدرة لبنان على استيعاب هذه الأعداد من اللاجئين وفي حال عجزه عن توفير الرعاية والخدمات لهم يمكن الطلب من الدول العربية إعادة الترحيل إليها، لأن اللجوء لا يقتصر فقط على الدولة المحاذية، ففي الحروب العراقية لجأ العراقيون الى لبنان بأعداد كبيرة وكذلك السودانيون والدولتان لا تتشاركان حدوداً مع لبنان، «وبالتالي في حال حصول حركة نزوح ولجوء تصبح المسؤولية الدولية مشتركة ولا تقتصر على الدول المحاذية التي قد تعجز عن توفير ظروف الاستقبال والرعاية فيصبح وضع اللاجئ مزرياً، وهذا التعاون يؤكد على أن اللجوء حالة مؤقتة لكنها ليست ثابتة وبعد انتفاء الأسباب يمكن للاجئ العودة الى وطنه».
ويشير مخيبر الى وجوب تعديل قانون الدخول والخروج اللبناني وتكوين إدارة لبنانية متخصصة تمنح صفة اللجوء لمن يستحقها كي لا يستمر لبنان متنازلا عن صلاحيته للمفوضية العليا في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
الجدير ذكره أن وزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور، الذي يترأس المجلس الوزاري العربي، سيتوجه غداً الى القاهرة على رأس وفد رسمي من أجل تقديم ملف باسم الحكومة اللبنانية حول مسألة النازحين من سوريا والأعباء المترتبة عن استضافة هؤلاء والمخاوف اللبنانية من تدفق دفعات كبيرة من اللاجئين في المرحلة المقبلة، ومن المتوقع أن يلتقي منصور الأمين العام للجامعة نبيل العربي وعدداً من نظرائه العرب.

السابق
إطاحة المالكي… بأي ثمن
التالي
سقوط جدار برلين القِيَمي العربي