عندما قاطع الأسد عرض الإبراهيمي

ما زالت ردود الفعل على الخطاب الأخير للرئيس السوري بشار الأسد تتفاعل على كل المستويات، مشيرة الى انّ الرجل، الذي يقول البعض إنّ أيامه في السلطة باتت معدودة، «ما زال هو المحرّك الرئيسي لسياسات دولية واقليمية ومحلية»، على حد قول مؤيّديه.

وعلى رغم أنّ معارضي الأسد يصرون على اعتبار خطابه تعبيراً عن انفصاله عن الواقع، فإنّ آخرين يعتبرون هذا الخطاب خطوة في اتجاه انضاج تسوية دولية اقليمية شاملة، لا بل إن بعض المحللين الرئيسيين في الصحافة الغربية مثل سايمون تيسدال في صحيفة "الغارديان" البريطانية الذي تساءل قبل أيام: "مَن هو المنفصل عن الواقع؟ أهو الأسد؟ أم اوباما وهيغ؟".

علماً انّ الرئيس الاميركي باراك اوباما نفسه لم يستعمل هذا التعبير، بل استعملته الناطقة باسم الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند التي يرى المتعاطفون مع الأسد "أنها ترتكب آخر أخطاء وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والتي لو جمعت أخطاءها في تصريحاتها حول الأزمة السورية لكان عليها ان تستقيل منذ زمن بعيد، ولا تترك لـ"الجلطة" التي أصابتها ان تقرر مصيرها السياسي".

ويربط كثيرون بين خطاب الأسد الذي اعتبره البعض "خطاب النصر" وبين التقدم الميداني الذي يحرزه الجيش السوري على أكثر من جبهة، الى درجة أنّ الأسد، حسبما يقول زوّار دمشق، قد قاطع المبعوث الأممي الاخضر الابراهيمي حين حاول ان يقدم عرضاً للاوضاع الميدانية في سوريا تشير الى قرب سقوط العاصمة دمشق في يد مسلّحي المعارضة.

ويقول هؤلاء إنّ الأسد قاطع الابراهيمي نافياً المعطيات التي تحدث عنها، مؤكداً "انها معطيات إعلامية تروّج لها وسائل معروفة الغايات، فهي تكذِب لترضي مموّليها، ثم يعمد هؤلاء الممولون الى اعتماد إشاعاتها حقائق دامغة". ويقال إن الاسد لاحظ ان الابراهيمي المتأثر بهذه المعطيات الاعلامية "بات هو أيضا فاقد الصِلة بالواقع، وبالتالي بدأ يخسر أهليته وسيطاً في حلّ أزمة صعبة".

وما يعزّز من وجهة نظر المتعاطفين مع الأسد هو جملة انفراجات وتسريبات وتعليقات إعلامية غربية تتكاثر هذه الايام لتعطي انطباعاً عن أن حلحلة ما تتقدم في المسألة السورية، فالإفراج عن الزوّار الايرانيين المحتجزين لدى "الجيش السوري الحر" يجب أن يُقرأ في إطار هذه الحلحلة التي تشمل أطرافا عربية واقليمية، والتسريبات التي تتحدث عن أقنية أمنية سرية بين دمشق والرياض تعزّز ايضا هذه الحلحلة، ونجاح دمشق في ان تضع في الصدارة قضية المتشددين كـ"جبهة النصرة" واخواتها على نحو يطرح على مناهضي النظام السوري في عواصم الغرب سؤالاً يتردد صداه في كثير من وسائل الاعلام هو: "إذا سقط الاسد فما الضمان في أن يسيطر المتطرفون على سوريا ويشكلون خطراً على كل دوَل المنطقة بما فيها تركيا واسرائيل"؟

ويرى زوّار دمشق انّ التركيز على دور منظمات مثل "جبهة النصرة" في سوريا، يشير الى حجم القلق الذي ينتاب عواصم الغرب وبعض عواصم المنطقة، خصوصاً انّ التقارير الميدانية تشير الى أن انتصارات "جبهة النصرة" على القوى المسلحة المعارضة الأخرى باتت اكثر من "انتصاراتها" على قوات النظام.

ويؤكد زوّار دمشق ايضا أن خطاب الأسد لم يكن بعيداً من مشاورات أجراها مع موسكو وطهران وبكين، وأن إخراج "خريطة الطريق" السورية من الكواليس الديبلوماسية الى العلن، هو تعبير عن شكوك القيادة السورية بأنّ ما يُنقل عن الأسد إلى عواصم المنطقة والعالم ليس دقيقاً، وأحياناً مناقضاً للواقع. فخطاب الرئيس السوري بعد توجه وفد الخارجية السورية برئاسة فيصل المقداد الى موسكو هو للإبلاغ الى كل مَن يعنيه الامر أن هذا هو الموقف السوري الذي يجب ان يكون منطلقاً لأيّ حوار.

طبعاً، ووفق زوّار دمشق، فإن معارضي النظام المحليين والخارجيين تعاموا عن نقاط التقاطع التي تربط بين خطاب الأسد ووثيقة "جنيف ـ 1" وأن هذا الخطاب، مثلما قال الاسد نفسه، يقدّم التفسير السوري للنقطة الغامضة في وثيقة "جنيف – 1" وهي المتعلقة بالمرحلة الانتقالية، حيث كان هناك رأي روسي يختلف عن الرأي الاميركي والغربي والتركي والخليجي.

ومن هنا، فإنّ الاجتماع الثلاثي بين نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ونظيره الاميركي وليم بيرنز والابراهيمي غداً الجمعة في جنيف يؤكد انّ التسوية ما زالت هي سقف الرؤية الدولية لمَسار الأزمة السورية. وككلّ تسوية، من الطبيعي ان يقدم كل طرف أعلى ما عنده من مطالب حتى يمكن الوصول الى ما يلبّي المعقول من مطالب الطرفين.

السابق
محمد سليمان مشارك باغتيال مغنية
التالي
الأسد: قوّة التسوية