انتخابات نظام ديمقراطي وقوانين نظام شمولي

تعددت مشاريع القوانين والمشكلة واحدة: البحث في قانون الانتخاب هو بحث عن انتخابات ليست انتخابات بالحد الأدنى من جوهر الديمقراطية . فنحن، حسب الدستور، في نظام ديمقراطي برلماني، بصرف النظر عن الثغرات والعلل فيه. أما في الممارسة الانتخابية، فإن قوانين الانتخاب هي قوانين نظام شمولي. هكذا كانت على العموم منذ الانتداب ثم الاستقلال ولا تزال حتى اليوم. ولم يكن في أية مرحلة نقص في المشاريع التي تضمن التمثيل الشعبي السليم والصحيح بل في الارادة السياسية التي تحرض بالفعل على هذا التمثيل.
ذلك أن الأنظمة الديمقراطية ليست حائرة ولا في أزمة اسمها قانون الانتخاب. فالتجربة استقرت على واحد من نظامين لا ثالث لهما: نظام نسبي في دائرة واحدة أو دوائر واسعة، ونظام أكثري في دوائر فردية. وبعضها يعمد أحياناً الى الجمع بينهما. أما الأنظمة الشمولية التي تحدد النتائج قبل الانتخابات، فإن وسيلتها هي اللوائح في نظام أكثري. وهذا ما كان لبنان ولا يزال يمارسه لضمان الكتل النيابية للزعامات عبر البوسطات والمحادل.

حتى عندما نضجت فكرة النظام النسبي عند البعض، فإن إجهاض الفكرة كان بالمرصاد: إما بالاستبعاد الحكومي والنيابي، كما حدث لمشروع القانون الذي عملت عليه الهيئة الوطنية برئاسة الوزير فؤاد بطرس، وجمع بين النظامين الأكثري والنسبي. وإما بالتفخيخ، كما فعل مجلس الوزراء بالموافقة على مشروع قانون حسب النظام النسبي، لكن تقسيم الدوائر حدد سلفاً النتائج لمصلحة فريق واحد.
واللعبة اليوم هي تبادل الرفض للمشاريع. كل فريق يرفض المشروع الذي يقدمه الفريق الآخر ويحدد النتائج سلفاً لمصلحته. وفي كل فريق طرف يختلف مع حلفائه في النظرة الى قانون الانتخاب. والحيلة الصعبة التي يراهن عليها البعض هي ابتداع صيغة تسمح لكل فريق بأن يرى حظاً له في الربح. لكن الثابت هو الدوران حول اللوائح في نظام أكثري، سواء جرى تحديد عدد المقاعد بتقسيم الدوائر أو بقي كل شيء على حاله. فلا بحث في تأليف مفوضية مستقلة للاشراف على الانتخابات بدل تركها في عهدة وزارة الداخلية، وهو ما سبقتنا اليه بلدان عربية عدة. ولا حرص على الترجمة الحقيقية لتمكين المرأة.
وبكلام آخر، فإن ما يطلبه كل فريق من قانون الانتخاب ليس ما يجب أن يكون عليه القانون. فالهم ليس التخلص من بعض العلل في النظام اللبناني بل توظيف العلل في الصراع على السلطة. والمعادلة المفترضة هي: إما لا انتخابات، وإما انتخابات ليست انتخابات.

السابق
على المسيحيين استعادة المناصفة
التالي
غرفة ابنة بيونسيه بمليون دولار